للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِتَابِ) كَمَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ (تَسَاهُلٌ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِثْلُ مَا فِي غَيْرِهِ لَا نَقْلُ عَيْنِهِ وَلَا إزَالَتُهُ وَلَا رَفْعُهُ، ثُمَّ قَالُوا هَذَا كُلُّهُ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ عَمَلِيٌّ وَقِيلَ: بَلْ مَعْنَوِيٌّ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي جَوَازِ النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْحَقَائِقِ الْعُرْفِيَّةِ لَا اللُّغَوِيَّةِ وَأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ كَنَقْلِ الصَّلَاةِ اللُّغَوِيَّةِ إلَى الشَّرْعِيَّةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ كَنَقْلِ الدَّابَّةِ فَنُقِلَ مِنْ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ (وَاصْطِلَاحًا رَفْعُ تَعَلُّقٍ مُطْلَقٍ) عَنْ تَقْيِيدٍ بِتَأْقِيتٍ أَوْ تَأْبِيدٍ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِفِعْلٍ (بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ ابْتِدَاءً) فَالرَّفْعُ شَامِلٌ لِلنَّسْخِ وَغَيْرِهِ وَمَا عَدَاهُ مُخْرِجٌ لِغَيْرِهِ فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، ثُمَّ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ لَا يُقَالُ: مَا ثَبَتَ فِي الْمَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ بُطْلَانُهُ لِتَحَقُّقِهِ قَطْعًا وَمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ فَكَيْفَ يَبْطُلُ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا رَفْعَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ الْبُطْلَانُ بَلْ زَوَالُ مَا يُظَنُّ مِنْ التَّعَلُّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا النَّاسِخُ لَكَانَ فِي عُقُولِنَا ظَنُّ التَّعَلُّقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَبِالنَّاسِخِ زَالَ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ الْمَظْنُونُ، ثُمَّ نَقُولُ (فَانْدَفَعَ) مُتَعَلِّقُ أَنْ يُقَالَ: (إنَّ الْحُكْمَ قَدِيمٌ لَا يَرْتَفِعُ) ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى " وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ " فَلَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: رُفِعَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ كَمَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَإِنْ وَقَعَ التَّقَصِّي عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا تَعَلَّقَ الْخِطَابُ بِهِ تَعَلُّقَ تَنْجِيزٍ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَحْدُثُ بَعْدَ حُدُوثِ شُرُوطِ التَّكْلِيفِ وَالْقَدِيمُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا هُوَ ضَرُورِيٌّ لِلطَّلَبِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ تَحْرِيمُ شَيْءٍ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَقَدْ انْتَفَى الْوُجُوبُ وَهَذَا الِانْتِفَاءُ هُوَ الَّذِي نَعْنِيهِ بِالرَّفْعِ وَإِذَا تَصَوَّرْت الْحُكْمَ وَالرَّفْعَ كَذَلِكَ كَانَ إمْكَانُ رَفْعِهِ ضَرُورِيًّا

(وَ) انْدَفَعَ (بِمُطْلَقِ مَا) أَيْ التَّعَلُّقِ الْمَرْفُوعِ (بِالْغَايَةِ) نَحْوُ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] (وَالشَّرْطِ) نَحْوُ «صَلِّ الظُّهْرَ إنْ زَالَتْ الشَّمْسُ» (وَالِاسْتِثْنَاءِ) نَحْوُ: اُقْتُلْ الْمُشْرِكِينَ إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ فَإِنَّ رَفْعَ الصِّيَامِ عَنْ اللَّيْلِ وَالصَّلَاةِ عَمَّا قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْقَتْلِ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُسَمَّى نَسْخًا اتِّفَاقًا قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَوَّلًا الرَّفْعُ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الثُّبُوتِ كَمَا سَنَذْكُرُ وَالْغَايَةُ وَالشَّرْطُ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَمْ يَرْفَعْ مَا سَبَقَ ثُبُوتُهُ قَبْلَ ذِكْرِهَا وَثَانِيًا سَنَذْكُرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأَخُّرِ التَّرَاخِي وَهَذِهِ لَوْ قُدِّرَ بِهَا رَفْعٌ لَمْ تَكُنْ مُتَرَاخِيَةً فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الرَّفْعِ بِهَا فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْحُكْمِ الْمُؤَقَّتِ بِوَقْتٍ خَاصٍّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نَسْخُهُ قَبْلَ انْتِهَائِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ انْتِهَائِهِ وَعَنْ الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ عَلَى مَا فِي كِلَيْهِمَا مِنْ خِلَافٍ سَيُذْكَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَانْدَفَعَ بِقَوْلِنَا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَقَدْ كَانَ الْوَجْهُ التَّصْرِيحُ بِهِ مَا كَانَ رَفْعًا لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهَا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى نَسْخًا اتِّفَاقًا وَمِنْ ثَمَّةَ اُعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنَسْخٍ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْكَلَامِ إنَّمَا كَانَتْ عَلَى الْأَصْلِ لَا بِخِطَابٍ شَرْعِيٍّ فَإِنْ قِيلَ: وَأَيْضًا سَيَأْتِي مِنْ أَقْسَامِ النَّسْخِ مَا نُسِخَ لَفْظُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ وَهُوَ لَيْسَ بِرَفْعِ حُكْمٍ بَلْ لَفْظٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُتَضَمِّنٌ لِرَفْعِ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ كَالتَّعَبُّدِ بِتِلَاوَتِهِ وَمَنْعِ الْجُنُبِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْهَا وَمِنْ مَسِّهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ

(وَ) انْدَفَعَ (بِالْأَخِيرِ) أَيْ ابْتِدَاءً (مَا) أَيْ التَّعَلُّقُ الْمُطْلَقُ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ الْمَرْفُوعِ (بِالْمَوْتِ وَالنَّوْمِ) وَالْجُنُونِ وَنَحْوِهَا وَبِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ كَذَهَابِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ رَفْعُهُ كَالصَّلَاةِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَكَوُجُوبِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عَنْ مَقْطُوعِهَا (لِعَارِضٍ) مِنْ هَذِهِ الْعَوَارِضِ لَا ابْتِدَاءً بِخِطَابٍ شَرْعِيٍّ وَأُورِدَ رَفْعُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالنَّوْمِ مَمْنُوعٌ بَلْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» الْحَدِيثَ وَقَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الَّذِي اخْتَصَّ الْحَنَفِيَّةُ بِعَقْدِهِ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ رَفْعَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالْغَافِلِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِعَدَمِ قَابِلِيَّةِ الْمَحَلِّ لَهُ لِطَرَيَانِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ، وَالنُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ رَافِعَةً بَلْ مُبَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ وَاقِعَاتٌ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ إذَا كَانَ هَذَا الْقَيْدُ لِإِخْرَاجِ مَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ بِهَا خَارِجٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>