للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُقُوعَهُ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ تَخْصِيصًا؛ لِأَنَّهُ قَصْرٌ لِلْحُكْمِ عَلَى بَعْضِ الْأَزْمَانِ فَهُوَ كَالتَّخْصِيصِ فِي الْأَعْيَانِ وَيُؤَيِّدُهُ نَصُّ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ لَفْظِيٌّ إذَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمُسْلِمِ إنْكَارُهُ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ نَسْخِ بَعْضِ أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ عَلَى حَقِّيَّةِ شَرِيعَتِنَا وَنَسْخُ بَعْضِ أَحْكَامِ شَرِيعَتِنَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ مِنْ شَرِيعَتِنَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنَازِعُ فِي الِارْتِفَاعِ وَيَزْعُمُ أَنَّ كُلَّ مَنْسُوخٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ فِي عِلْمِ اللَّهِ مُغَيًّا إلَى وُرُودِ النَّاسِخِ كَالْمُغَيَّا فِي اللَّفْظِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: ١٨٧] إلَى اللَّيْلِ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ صُومُوا مُطْلَقًا وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ سَيُنَزِّلُ وَلَا تَصُومُوا اللَّيْلَ وَمِنْ هُنَا نَشَأَ تَسْمِيَتُهُ تَخْصِيصًا وَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي وُقُوعِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (لَنَا لَا يَلْزَمُ قَطْعًا مِنْهُ) مِنْ النَّسْخِ (مُحَالٌ عَقْلِيٌّ) أَيْ مُحَالٌ لِذَاتِهِ فَإِنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ فِيهَا حُسْنٌ لِذَاتِهِ وَلَا قُبْحٌ لِذَاتِهِ لِمَا حَسُنَ لِغَيْرِهِ وَقَبُحَ لِغَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ (إنْ لَمْ تُعْتَبَرْ الْمَصَالِحُ) أَيْ رِعَايَةُ جَلْبِ نَفْعِ الْعِبَادِ وَدَفْعِ ضَرِّهِمْ فِي التَّكَالِيفِ (فَظَاهِرٌ) عَدَمُ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكَالِيفِ حِينَئِذٍ لَيْسَ إلَّا الِابْتِلَاءُ وَاَللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَصْلَحَةٍ فِي حُكْمِهِ.

(وَإِنْ) اُعْتُبِرَتْ الْمَصَالِحُ فِيهَا كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فَكَذَلِكَ إذْ كَمَا قَالَ (فَلِاخْتِلَافِهَا) أَيْ الْمَصَالِحِ (بِالْأَوْقَاتِ) بِاخْتِلَافِهَا كَشُرْبِ الدَّوَاءِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَافِعًا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ (فَيَخْتَلِفُ حُسْنُ الشَّيْءِ وَقُبْحُهُ) بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَرُبَّمَا كَانَ الشَّيْءُ حَسَنًا فِي وَقْتٍ قَبِيحًا فِي آخَرَ (وَالْأَحْوَالُ) أَيْ وَبِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَشُرْبِ الدَّوَاءِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَافِعًا فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ فَرُبَّمَا كَانَ الشَّيْءُ حَسَنًا فِي حَالَةٍ قَبِيحًا فِي أُخْرَى وَالْأَعْيَانُ فَرُبَّمَا قَبُحَ الشَّيْءُ مِنْ إنْسَانٍ وَحَسُنَ مِنْ إنْسَانٍ كَشُرْبِ الدَّوَاءِ أَيْضًا فَإِنَّهُ رُبَّمَا نَفَعَ إنْسَانًا وَضَرَّ لِإِنْسَانٍ وَكَيْفَ لَا وَالشَّرْعُ لِلْأَدْيَانِ كَالطَّبِيبِ لَلْأَبَدَانِ (فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ) أَيْ مَانِعِي جَوَازِهِ عَقْلًا (النَّهْيُ يَقْتَضِي الْقُبْحَ وَالْوُجُوبُ الْحُسْنَ فَلَوْ صَحَّ) كَوْنُ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مَنْهِيًّا عَنْهُ مَأْمُورًا بِهِ (حَسُنَ وَقَبُحَ) وَهُوَ مُحَالٌ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ ظَاهِرٌ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا اجْتِمَاعَ لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَا اسْتِحَالَةَ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ نَسْخَ اللَّهِ تَعَالَى الْحُكْمَ (إنْ) كَانَ (لِحِكْمَةٍ ظَهَرَتْ) لَهُ تَعَالَى (بَعْدَ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ ظُهُورِهَا عِنْدَ شَرْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ (فَبَدَاءٌ) بِالْمَدِّ أَيْ ظُهُورٌ بَعْدَ الْخَفَاءِ وَهُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ الْعِلْمَ بَعْدَ الْجَهْلِ وَهُوَ نَقْصٌ لَا يَحُومُ حَوْلَ جَنَابِهِ الْمُقَدَّسِ، وَكَيْفَ وَالْأَدِلَّةُ الْقَطْعِيَّةُ الْعَقْلِيَّةُ وَالنَّقْلِيَّةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ أَزَلًا وَأَبَدًا {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [يونس: ٦١] (أَوْ لَا) لِحِكْمَةٍ ظَهَرَتْ لَهُ تَعَالَى (وَهُوَ) أَيْ مَا لَا يَكُونُ لِحِكْمَةٍ (الْعَبَثُ) إذْ هُوَ فِعْلُ الشَّيْءِ لَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَهُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ الْجَهْلِ وَمُنَافٍ لِلْحِكْمَةِ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.

(وَإِنَّمَا يَكُونُ) كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ لَازِمًا (لَوْ نُسِخَ مَا حَسُنَ) لِنَفْسِهِ (وَقَبُحَ لِنَفْسِهِ كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ) وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ فِي ذَلِكَ بَلْ فِيمَا حَسُنَ وَقَبُحَ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ هَذَا عِنْدَ غَيْرِ الْأَشَاعِرَةِ (أَمَّا الْأَشَاعِرَةُ فَيَمْنَعُونَ وُجُودَهُ) أَيْ مَا حَسُنَ لِنَفْسِهِ وَقَبُحَ لِنَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِبْطَالُ هَذَا الِاحْتِجَاجِ عَلَى رَأْيِهِمْ أَظْهَرُ (وَأَمَّا الْوُقُوعُ فَفِي التَّوْرَاةِ أُمِرَ آدَم بِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ) كَمَا ذَكَرَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ يَعْنِي وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ بِلَفْظِ الْإِطْلَاقِ، بَلْ الْعُمُومُ لَكِنْ عَنْ سَبِيلِ التَّوْزِيعِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِالْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ وَفِي زَمَانِهِ وَلَا تَقْيِيدٍ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَالِاحْتِمَالَاتُ الَّتِي لَمْ تَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ يَنْفِيهَا ظَاهِرُ الدَّلِيلِ لِكَوْنِهَا مَنْفِيَّةً عَلَى أَنَّ الطَّبَرِيَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُولَدُ لِآدَمَ غُلَامٌ إلَّا وُلِدَتْ مَعَهُ جَارِيَةٌ فَكَانَ يُزَوِّجُ تَوْأَمَةَ هَذَا لِلْآخَرِ وَتَوْأَمَةَ الْآخَرِ لِهَذَا فَسَاقَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَقَدْ وَقَعَتْ لَنَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَاقَهُ بِسَنَدِهِ إلَيْهِ قَالَ كَانَ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نُهِيَ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَتَهُ تَوْأَمَهَا وَأَنْ يُزَوِّجَ تَوْأَمَةَ هَذَا الْوَلَدِ آخَرَ وَأَنْ يُزَوِّجَهُ تَوْأَمَةَ الْآخَرِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا أَقْوَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَسَانِيدِ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>