الْقِصَّةِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَ لَهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَعَلَّقَ لَهُ الْبُخَارِيُّ شَيْئًا وَوَثَّقَهُ الْجُمْهُورُ وَلَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ قَلِيلًا وَقَدْ حُرِّمَ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ اتِّفَاقًا وَهَذَا هُوَ النَّسْخُ (وَفِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ) مِنْ التَّوْرَاةِ (قَالَ تَعَالَى لِنُوحٍ) عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْفُلْكِ (إنِّي جَعَلْتُ كُلَّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ مَأْكَلًا لَكَ وَلِذُرِّيَّتِكَ) وَأَطْلَقْتُ ذَلِكَ أَيْ أَبَحْتُ ذَلِكَ كَنَبَاتِ الْعُشْبِ مَا خَلَا الدَّمَ فَلَا تَأْكُلُوهُ
(ثُمَّ حُرِّمَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّوَابِّ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ (عَلَى لِسَانِ مُوسَى كَثِيرٌ) مِنْهَا كَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ السِّفْرُ الثَّالِثُ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهَذَا نَسْخٌ ظَاهِرٌ (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) عَلَيْهِمْ (بِتَحْرِيمِ السَّبْتِ) أَيْ الْعَمَلِ الدُّنْيَوِيِّ كَالِاصْطِيَادِ فِيهِ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (بَعْدَ إبَاحَتِهِ) قَبْلَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَوُجُوبِ الْخِتَانِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْيَهُودِ (يَوْمَ الْوِلَادَةِ) وَقِيلَ: فِي ثَامِنِ يَوْمِهَا (بَعْدَ إبَاحَتِهِ فِي مِلَّةِ يَعْقُوبَ) أَوْ فِي شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ الْمُكَلَّفُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَإِبَاحَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي شَرِيعَةِ يَعْقُوبَ وَتَحْرِيمِهِ عِنْدَ الْيَهُودِ وَكُلُّ ذَلِكَ نُسِخَ (فَيُدْفَعُ بِأَنَّ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَيْسَ نَسْخًا) وَإِبَاحَةُ هَذِهِ الْأُمُورِ كَانَتْ بِأَصْلٍ فَلَا يَكُونُ رَفْعُهَا نَسْخًا (وَالْحُكْمُ بِالْإِبَاحَةِ وَإِنْ كَانَ حُكْمًا بِتَحْقِيقِ كَلِمَتِهِ النَّفْسِيَّةِ وَهِيَ) أَيْ كَلِمَتُهُ النَّفْسِيَّةُ هِيَ (الْحُكْمُ لَكِنَّ) الْحُكْمَ (الشَّرْعِيَّ أَخَصُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ (وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ (مَا عُلِّقَ بِهِ خِطَابٌ فِي شَرِيعَةٍ) عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا تَقَرَّرَتْ تِلْكَ الْإِبَاحَاتُ فِي تِلْكَ الشَّرَائِعِ صَارَتْ بِحُكْمِ تَقْرِيرِ أَنْبِيَائِهَا مِنْ حُكْمِ شَرَائِعِهِمْ فَيَكُونُ رَفْعُهَا رَفْعَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَيَكُونُ نَسْخًا وَأَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْتَزَمُوهُ) أَيْ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ (نَسْخًا؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ لَمْ يُتْرَكُوا سُدًى) أَيْ مُهْمَلِينَ غَيْرَ مَأْمُورِينَ وَلَا مَنْهِيِّينَ (فِي وَقْتٍ) مِنْ الْأَوْقَاتِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ بَلْ كَلَامُهُمْ يُفِيدُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ حَيْثُ قَالُوا: رَفْعُ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَسْخٌ عِنْدَنَا (فَلَا إبَاحَةَ وَلَا تَحْرِيمَ قَطُّ إلَّا بِشَرْعٍ فَمَا يُذْكَرُ مِنْ حَالِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الشَّرْعِ فَرْضٌ وَأَمَّا) النَّسْخُ (فِي شَرِيعَةٍ) وَاحِدَةٍ
(فَوُجُوبُ التَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ) أَيْ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤] بَعْدَ أَنْ كَانَ التَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا
(وَنَسْخُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ) الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ١٨٠] كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي النَّاسِخِ مَا هُوَ وَسَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ (وَكَثِيرٌ) وَسَتَقِفُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُ فَالْحَقُّ أَنَّهُ (لَا يُنْكِرُهُ إلَّا مُكَابِرٌ أَوْ جَاهِلٌ بِالْوَقَائِعِ) قَالَ (الْمَانِعُونَ سَمْعًا لَوْ نُسِخَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى لَبَطَلَ قَوْلُهُ هَذِهِ شَرِيعَةٌ مُؤَبَّدَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ) قَالُوا وَالتَّالِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ (أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (قَالَهُ) بَلْ هُوَ مُخْتَلِفٌ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مُتَوَاتِرًا وَكَوْنِهِ فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ الْآنَ مِنْ التَّوْرَاةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَوَّلِ كَذِبٍ انْتَحَلُوهُ فِيهَا وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ قِيلَ أَوَّلُ مَنْ اخْتَلَقَهُ لِلْيَهُودِ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ لِيُعَارِضَ بِهِ دَعْوَى رِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا رَيْبَ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الِاخْتِلَاقِ إنْ مَاتَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ
(وَإِلَّا) لَوْ قَالَهُ (لَقَضَتْ الْعَادَةُ بِمُحَاجَّتِهِمْ) أَيْ الْيَهُودِ (بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْقَوْلِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحِرْصِهِمْ عَلَى مُعَارَضَتِهِ وَدَفْعِ دَعْوَى رِسَالَتِهِ (وَشُهْرَتِهِ) أَيْ وَلَقَضَتْ الْعَادَةُ بِشُهْرَةِ الْحِجَاجِ بِهِ لَوْ وَقَعَ الْحِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْخَطِيرَةَ لَا يَخْفَى وُقُوعُهَا وَتَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا وَلَمْ يُنْقَلْ مُحَاجَّتُهُمْ بِهِ وَلَا اُشْتُهِرَ وُقُوعُ الْحِجَاجِ بِهِ، ثُمَّ نَمْنَعُ كَوْنَهُ مُتَوَاتِرًا عَنْهُ وَلَوْ زَعَمُوا أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ التَّوْرَاةِ (لِأَنَّهُ لَا تَوَاتُرَ فِي نَقْلِ التَّوْرَاةِ الْكَائِنَةِ الْآنَ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ عَلَى إحْرَاقِ بُخْتِ نَصَّرَ أَسْفَارَهَا وَ)
أَنَّهُ (لَمْ يَبْقَ مَنْ يَحْفَظُهَا. وَذَكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute