- عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَبْحِ ابْنِهِ قَالَ الْغُلَامُ يَا أَبَتِ اُشْدُدْ عَلَيَّ رِبَاطِي لِئَلَّا أَضْطَرِبَ وَاكْفُفْ عَنِّي ثِيَابَكَ لِئَلَّا يَنْضَحَ عَلَيْكَ مِنْ دَمِي وَأَسْرِعْ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِي لِيَكُونَ أَهْوَنَ عَلَيَّ قَالَ فَأَمَرَّ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ وَهُوَ يَبْكِي فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى حَلْقِهِ صَفِيحَةً مِنْ نُحَاسٍ. قَالَ فَقَلَبَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَحَزَّ الْقَفَا فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: ١٠٣] فَنُودِيَ أَنْ يَا إبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا فَإِذَا الْكَبْشُ فَأَخَذَهُ وَذَبَحَهُ وَأَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ يُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ يَا بُنَيَّ الْيَوْمَ وُهِبْتَ لِي»
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ «أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَّ السِّكِّينَ فَانْثَنَتْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ اطْعَنْ بِهَا طَعْنًا فَطَعَنَ بِهَا فَانْقَلَبَتْ فَنُودِيَ حِينَئِذٍ» ، ثُمَّ عَلَى هَذَا لَا يَتِمُّ قَوْلُهُ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الذَّبْحَ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (حِينَئِذٍ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ) لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ حِينَئِذٍ عَلَى حَقِيقَةِ الذَّبْحِ الَّذِي هُوَ قَطْعُ الْحَلْقِ عَلَى وَجْهٍ تَبْطُلُ بِهِ الْحَيَاةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَا يُجَوِّزُونَهُ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ هَذَا الْمَنْعُ (نَسْخٌ) لِلْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الذَّبْحُ (أَيْضًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ) مِنْهُ وَإِلَّا أَثِمَ بِتَرْكِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ أَنْ لَوْ كَانَ التَّكْلِيفُ بِحَقِيقَةِ الذَّبْحِ مَوْجُودًا حَالَةَ قِيَامِ هَذَا الْمَانِعِ بِحَلْقِهِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ بَلْ نَقُولُ زَالَ التَّكْلِيفُ بِحَقِيقَةِ الذَّبْحِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْمَانِعِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَانِعَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَكُونُ نَسْخًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ أَنْ لَوْ كَانَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، نَعَمْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْقَائِلَ بِالنَّسْخِ لَا يَقُولُ نُسِخَ بِالْمَانِعِ الْمَذْكُورِ بَلْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: ١٠٧] وَإِنَّمَا يُذْكَرُ الْمَانِعُ الْمَذْكُورُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ فَيَكُونُ النَّسْخُ بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بِالْمَانِعِ لَا بِنَفْسِ الْمَانِعِ (وَلِلْحَنَفِيَّةِ) فِي جَوَابِهِمْ (مُنِعَ النَّسْخُ وَالتَّرْكُ) لِلْمَأْمُورِ بِهِ (لِلْفِدَاءِ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: ١٠٧] (وَهُوَ) أَيْ الْفِدَاءُ (مَا يَقُومُ مَقَامَ الشَّيْءِ فِي تَلَقِّي الْمَكْرُوهِ) الْمُتَوَجِّهِ عَلَيْهِ وَمِنْهُ فَدَتْكَ نَفْسِي أَيْ قَبِلَتْ مَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْك مِنْ الْمَكْرُوهِ.
وَحَاصِلُ مَا لَهُمْ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ، وَالْوَلَدُ وَنَحْوُهُ مَحَلٌّ لِلْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ فَهُوَ مَحَلُّ مَحَلِّ الْحُكْمِ وَمَحَلُّ الْحُكْمِ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْحُكْمِ فَضْلًا عَنْ مَحَلِّ مَحَلِّهِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ نَسْخُ الْحُكْمِ بِرَفْعِهِ لَا بِإِبْدَالِ مَحَلِّهِ بَلْ الْإِبْدَالُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْحُكْمِ غَيْرَ أَنَّهُ جُعِلَ مَحَلَّهُ فِدَاءً عِوَضًا عَنْ ذَاكَ فَإِذَنْ كَمَا قَالَ (فَلَوْ ارْتَفَعَ) وُجُوبُ ذَبْحِ الْوَلَدِ (لَمْ يُفِدْ) أَيْ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَلَمْ يُسَمَّ فِدَاءً لَهُ، وَالتَّالِي مُنْتَفٍ وَنَظِيرُهُ بَقَاءُ وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي عِنْدَ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ تَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِثْمُ (وَمَا قِيلَ) مِنْ الْإِيرَادِ عَلَى هَذَا (الْأَمْرِ بِذَبْحِهِ) أَيْ الْفِدَاءِ (بَدَلًا هُوَ النَّسْخُ) يَعْنِي جَعْلَ وُجُوبِ ذَبْحِ الْفِدَاءِ بَدَلًا عَنْ وُجُوبِ ذَبْحِ الْوَلَدِ وَهَذَا نَسْخٌ ظَاهِرٌ فَجَوَابُهُ هَذَا (مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِهِ) أَيْ ثُبُوتِ رَفْعِ ذَلِكَ الْوُجُوبِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَبْحِ الْوَلَدِ وَإِثْبَاتِ وُجُوبٍ آخَرَ لِذَبْحِ الْكَبْشِ (وَهُوَ) أَيْ ثُبُوتُ هَذَا (مُنْتَفٍ) وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ إبْدَالِ الْمَحَلِّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِبْدَالِ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُهُ بَلْ الْإِبْدَالُ كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعَ إيجَابٍ آخَرَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَإِذَا جَازَ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ مَعَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ اعْتِبَارٌ لَا يُؤَدِّي إلَى النَّسْخِ وَكُلُّ اعْتِبَارٍ كَذَلِكَ يَتَرَجَّحُ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ فَتَعَيَّنَ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي التَّلْوِيحِ فَإِنْ.
قِيلَ: هَبْ أَنَّ الْخَلَفَ قَامَ مَقَامَ الْأَصْلِ لَكِنَّهُ اسْتَلْزَمَ حُرْمَةَ الْأَصْلِ أَعْنِي ذَبْحَ الْوَلَدِ وَتَحْرِيمُ الشَّيْءِ بَعْدَ وُجُوبِهِ نَسْخٌ لَا مَحَالَةَ فَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَوْنَهُ نَسْخًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ حُرْمَةَ ذَبْحِ الْوَلَدِ ثَابِتَةٌ فِي الْأَصْلِ فَزَالَتْ بِالْوُجُوبِ، ثُمَّ عَادَتْ بِقِيَامِ الشَّاةِ مَقَامَ الْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ حُكْمُهَا شَرْعِيًّا حَتَّى يَكُونَ ثُبُوتُهَا نَسْخًا لِلْوُجُوبِ انْتَهَى. قُلْت وَهَذَا عَلَى مِنْوَالِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَيْسَ نَسْخًا إمَّا عَلَى أَنَّهُ نَسْخٌ كَمَا الْتَزَمَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إذْ لَا إبَاحَةَ وَلَا تَحْرِيمَ قَطُّ إلَّا بِشَرْعٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا يَكُونُ رَفْعُ الْحُرْمَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَسْخًا، ثُمَّ إذَا كَانَ رَفْعُهَا نَسْخًا يَكُونُ ثُبُوتُهَا بَعْدَ رَفْعِهَا نَسْخًا أَيْضًا فَيَبْقَى الْإِيرَادُ الْمَذْكُورُ مُحْتَاجًا إلَى الْجَوَابِ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الذَّبِيحِ قَالَ أَبُو الرَّبِيعُ الطُّوفِيُّ فَالْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ إسْمَاعِيلُ وَأَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute