إذْ لَا مَذْكُورَ غَيْرُهُ فَإِنْ قِيلَ تُؤْمَرُ مُضَارِعٌ فَلَا يَعُودُ إلَى مَا مَضَى فِي الْمَنَامِ أُجِيبَ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ضَرُورَةَ إقْدَامِهِ عَلَى الذَّبْحِ بِتَهْيِئَةِ أَسْبَابِهِ (مَعَ) لُزُومِ (الْإِقْدَامِ عَلَى مَا يَحْرُمُ) مِنْ قَصْدِ الذَّبْحِ وَتَرْوِيعِ الْوَلَدِ (لَوْلَاهُ) أَيْ الْوُجُوبُ بِالْأَمْرِ وَإِلَّا لَكَانَ مُمْتَنِعًا شَرْعًا وَعَادَةً عَلَى أَنَّ مَنَامَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَحْيٌ مَعْمُولٌ بِهِ (وَعَلَى أَصْلِهِمْ) أَيْ وَيَدْفَعُ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى أَصْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ ثَابِتَةٌ عَقْلًا وَالشَّرْعُ كَاشِفٌ عَنْهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْزَالُ الْكُتُبِ وَإِرْسَالُ الرُّسُلِ وَتَمْكِينُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ فَهْمِ مَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ لِيَنْكَشِفَ لَهُمْ أَنَّ إرَاءَةَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا يُوهِمُ أَنَّهُ أَمْرٌ وَلَيْسَ بِأَمْرٍ (تَوْرِيطٌ لَهُ) أَيْ إيقَاعٌ لِإِبْرَاهِيمَ (فِي الْجَهْلِ فَيَمْتَنِعُ) بَلْ لَا يَجُوزُ لِآحَادِ الْمُكَلَّفِينَ فَكَيْفَ لِإِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ (جَازَ التَّأْخِيرُ) لِلذَّبْحِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ عِصْيَانٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَهُ (مُوَسَّعٌ) فَيَحْصُلُ التَّمَكُّنُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْوَقْتَ فَلَا يَكُونُ نَسْخًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ بَلْ بَعْدَهُ (فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا (الْمَطْلُوبُ) وَهُوَ النَّسْخُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ (لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ (بِالْمُسْتَقْبَلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بَاقٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ قَطْعًا فِي الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ فَإِذَا نُسِخَ عَنْهُ فَقَدْ نُسِخَ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ (وَهُوَ) أَيْ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ هُوَ (الْمَانِعُ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ النَّسْخِ لِاشْتِرَاطِهِمْ فِي تَحْقِيقِ النَّسْخِ كَوْنَ الْمَنْسُوخِ وَاجِبًا فِي وَقْتِهِ وَتَعَلُّقُ الْوُجُوبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُنَافِيهِ وَسَتَقِفُ قَرِيبًا عَلَى مَا فِي إطْلَاقِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتِمُّ فِي هَذَا (لَكِنْ نَقَلَ الْمُحَقِّقُونَ) كَالْحَنَفِيَّةِ (عَنْهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ (أَنَّهُ) أَيْ النَّسْخَ (بَيَانُ مُدَّةِ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ) النَّسْخُ (إلَّا بَعْدَ التَّمَكُّنِ) مِنْ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ (الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ) مِنْ شَرْعِ الْأَحْكَامِ (لَا الْعَزْمُ) عَلَى الْعَمَلِ (وَمَعَهُ) أَيْ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ (يَجُوزُ) النَّسْخُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ (لِأَنَّ الثَّابِتَ) حِينَئِذٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ (تَفْرِيطُ الْمُكَلَّفِ) فِي ذَلِكَ بِالتَّرْكِ لَهُ (وَلَيْسَ) تَفْرِيطُهُ (مَانِعًا) مِنْ النَّسْخِ (وَهَذَا) أَيْ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعَمَلِ (مُتَحَقِّقٌ فِي الْمُوَسَّعِ) فَيَجُوزُ فِيهِ النَّسْخُ عِنْدَهُمْ (وَدَفْعُهُ) أَيْ جَوَازِ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ فِي الْمُوَسَّعِ (بِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ فِي الْمُوَسَّعِ) فَلَا يَتَحَقَّقُ شَرْطُ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا (إنَّمَا يَصْدُقُ فِي الْمُضَيَّقِ) قَبْلَ وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا (وَإِلَّا فَقَدْ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ) فِي الْمُوَسَّعِ (وَلِذَا) أَيْ لِوُجُوبِهِ (لَوْ فَعَلَهُ) أَيْ الْوَاجِبَ (سَقَطَ بِخِلَافِ مَا) أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي (قَبْلَ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْمُضَيَّقِ وَالْمُوَسَّعُ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ
(ثُمَّ الْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِهِمْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ الْعَمَلُ بِالْبَدَنِ (أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنَهُ مَقْصُودًا أَصْلِيًّا (لَا يُوجِبُ الْحَصْرَ) فِيهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ قَرِيبًا (وَمَنْعَهُ) أَيْ وُجُوبَ الذَّبْحِ مُوَسَّعًا (بِأَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ الذَّبْحِ (لَوْ كَانَ) مُوَسَّعًا (لَأَخَّرَ) الْمُكَلَّفُ بِفِعْلِهِ فِعْلَهُ (عَادَةً فِي مِثْلِهِ) أَيْ ذَبْحِ الْوَلَدِ إمَّا رَجَاءَ أَنْ يُنْسَخَ عَنْهُ أَوْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا فَيَسْقُطَ عَنْهُ لِعِظَمِ الْأَمْرِ (مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقْتَضِي الْمُبَادَرَةَ) إلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ (وَإِنْ كَانَ مَا كَانَ) وَكَيْفَ لَا وَهُوَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ (فَعَلَ) أَيْ ذَبَحَ وَ (لَكِنْ) كَانَ كُلَّمَا قَطَعَ شَيْئًا (الْتَحَمَ) أَيْ بَرَأَ وَاتَّصَلَ مَا تَفَرَّقَ عَقِيبَ الْقَطْعِ أَيْ كَانَ مَأْمُورًا وَلَكِنْ بِمَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ إمْرَارُ السِّكِّينِ عَلَى الْحَلْقِ وَالتَّحَامُلُ عَلَيْهِ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ مِنْ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ فَحَصَلَ مُطَاوِعُ الذَّبْحِ لَكِنْ انْعَدَمَ أَثَرُهُ وَطَرَأَ ضِدُّهُ عَقِبَهُ وَلِهَذَا قِيلَ لَهُ {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: ١٠٥] وَمُدِحَ عَلَى ذَلِكَ (دَعْوًى مُجَرَّدَةٌ) عَنْ الثُّبُوتِ (كَذَا) قَوْلُهُمْ (مُنِعَ) الْقَطْعُ (بِصَفِيحَةٍ) مِنْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ خُلِقَتْ عَلَى حَلْقِهِ أَيْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَثَرٌ لِوُجُودِ هَذَا الْمَانِعِ فَلَمْ يَحْصُلْ مُطَاوِعُ الذَّبْحِ دَعْوًى مُجَرَّدَةٌ مَعَ أَنْ كُلًّا خِلَافَ الْعَادَةِ وَالظَّاهِرِ، وَلَمْ يُنْقَلْ نَقْلًا مُعْتَبَرًا وَلَوْ صَحَّ لَنُقِلَ وَاشْتُهِرَ وَكَانَ مِنْ الْآيَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَدْ صَدَّقْت؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّك عَمِلْت فِي الْمُقَدَّمَاتِ عَمَلَ مُصَدِّقٍ لِلرُّؤْيَا بِقَلْبِهِ قُلْت لَكِنْ يُعَكِّرُ هَذَا مَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ عَنْ السُّدِّيِّ وَهُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ «لَمَّا أُمِرَ إبْرَاهِيمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute