للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩] يَعْنِي الْيَوْمَ لَيْسَ مُؤَلَّفَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ (قُلْنَا الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ قَوْلِ عُثْمَانَ حَجَبَهَا قَوْمُك نَاسِخًا لِلْقُرْآنِ (يَتَوَقَّفُ عَلَى إفَادَةِ الْآيَةِ) أَيْ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: ١١] (عَدَمَ حَجْبِ مَا لَيْسَ إخْوَةً قَطْعًا) لَهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُفِدْ عَدَمَ حَجْبِ مَا لَيْسَ إخْوَةً لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ حَجَبَهَا قَوْمُك حَجَبَهَا الْإِجْمَاعُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَجْبُهُمْ إيَّاهَا لِدَلِيلٍ آخَرَ عَلَى حَجْبِهَا بِهِمَا (وَ) عَلَى (أَنَّ الْأَخَوَيْنِ لَيْسَا إخْوَةً قَطْعًا) ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا إخْوَةٌ لَكَانَ مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ حَجَبَهَا قَوْمُك اللُّغَةُ تُجِيزُ لَفْظَ الْإِخْوَةِ لِلْأَخَوَيْنِ كَمَا تُجِيزُهُ لِلثَّلَاثَةِ (لَكِنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ إفَادَةَ الْآيَةِ عَدَمَ حَجْبِ مَا لَيْسَ إخْوَةً ثَابِتٌ (بِالْمَفْهُومِ) الْمُخَالِفِ (الْمُخْتَلَفِ) فِي صِحَّةِ كَوْنِهِ حُجَّةً وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْوَةٌ لَا يَكُونُ لِأُمِّهِ السُّدُسُ (وَالثَّانِي) أَيْ إنَّ الْأَخَوَيْنِ لَيْسَا إخْوَةً قَطْعًا (فَرْعٌ إنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ لَا تُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ لَا) حَقِيقَةً (وَلَا مَجَازًا قَطْعًا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ عَلَيْهِمَا مَجَازًا لَا يُنْكَرُ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ عُثْمَانَ أَرَادَ حَجَبَهَا الْإِجْمَاعُ (وَجَبَ تَقْدِيرُ نَصٍّ) حَدَثَ قَطْعًا يَكُونُ النَّسْخُ بِهِ وَإِلَّا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ الْقَاطِعِ الَّذِي هُوَ الْمَفْهُومُ الْمَفْرُوضُ قَطْعِيَّتُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ (وَسُقُوطُ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْمُفْرَدَةِ) الْغَائِبَةِ وَهِيَ الْإِعْزَازُ لِلْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لَهُمْ هُوَ الْعِلَّةُ لِلْإِعْزَازِ إذْ يُفْعَلُ الدَّفْعُ لِيَحْصُلَ الْإِعْزَازُ فَإِنَّمَا انْتَهَى تَرَتُّبُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِعْزَازُ عَلَى الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ وَعَنْ هَذَا قِيلَ عَدَمُ الدَّفْعِ الْآنَ لِلْمُؤَلَّفَةِ تَقْرِيرٌ لِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَسْخٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِعْزَازُ وَكَانَ بِالدَّفْعِ وَالْآنَ هُوَ فِي عَدَمِ الدَّفْعِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي النَّسْخَ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ ارْتَفَعَ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ عِلَّةٌ لِحُكْمٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ فَنُسِخَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَلَيْسَ) انْتِهَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ (نَسْخًا وَلَوْ ادَّعَوْا) أَيْ الْقَائِلُونَ الْإِجْمَاعَ يُنْسَخُ بِهِ (مِثْلُهُ) أَيْ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ مُبَيِّنًا رَفْعَ الْحُكْمِ وَانْتِهَاءَ مُدَّتِهِ (نَسْخًا فَلَفْظِيٌّ) أَيْ فَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَكُونُ نَاسِخًا أَوْ لَا حِينَئِذٍ لَفْظِيٌّ (مَبْنِيٌّ عَلَى الِاصْطِلَاحِ فِي اسْتِقْلَالِ دَلِيلِهِ) أَيْ النَّسْخِ فَمَنْ اشْتَرَطَهُ فِيهِ وَهُوَ الْجُمْهُورُ لَمْ يَجْعَلْ الْإِجْمَاعَ نَاسِخًا فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَيْسَ مُسْتَقِلًّا بِذَاتِهِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ بَلْ اعْتِبَارُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فَالْإِجْمَاعُ كَاشِفٌ عَنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا لَفْظُهُ وَمَنْ لَمْ يَشْرِطْهُ فِيهِ جَعَلَهُ نَاسِخًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا عَنْ الْمُخَالِفِينَ إذْ الْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلِيلُ وُجُودِ النَّاسِخِ أَيْ يُعْلَمُ بِهِ النَّسْخُ بِدَلِيلِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ دَلِيلِهِ لَا أَنَّ الْإِجْمَاعَ نَفْسَهُ نَاسِخٌ، وَعِبَارَةُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ عَلَى مَا ذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ قَالَ إذَا رُوِيَ خَبَرَانِ مُتَضَادَّانِ وَالنَّاسُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَهُوَ النَّاسِخُ لِلْآخَرِ انْتَهَى صَرِيحُهُ فِي هَذَا كَمَا تَرَى نَعَمْ كَلَامُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فِي حِكَايَةِ قَوْلِ الْمُخَالِفِ تَنْبُو عَنْ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ وَأَمَّا النَّسْخُ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ جَوَّزَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِطَرِيقِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُوجِبٌ عِلْمَ الْيَقِينِ كَالنَّصِّ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسْخُ بِهِ، وَالْإِجْمَاعُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً أَقْوَى مِنْ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ وَإِذَا كَانَ يَجُوزُ النَّسْخُ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَجَوَازُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَوْلَى وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعِ الْآرَاءِ عَلَى شَيْءٍ وَلَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِي مَعْرِفَةِ نِهَايَةِ وَقْتِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِي الشَّيْءِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أَوَانُ النَّسْخِ حَالَ حَيَاةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاتِّفَاقِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَفِي حَالِ حَيَاتِهِ مَا كَانَ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِ رَأْيِهِ وَكَانَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ فَرْضًا، وَإِذَا وُجِدَ الْبَيَانُ مِنْهُ فَالْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ قَطْعًا هُوَ الْبَيَانُ الْمَسْمُوعُ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ بَعْدَهُ وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ النَّسْخَ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ لَا يَجُوزُ.

(وَصَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِمَنْسُوخِيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (أَيْضًا) وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِنَسْخِ الْإِجْمَاعِ وَالنَّسْخِ بِهِ (قَالَ وَالنَّسْخُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ فِي الْإِجْمَاعِ (بِمِثْلِهِ) أَيْ بِإِجْمَاعِ مِثْلِهِ (جَائِزٌ حَتَّى إذَا ثَبَتَ حُكْمٌ بِإِجْمَاعٍ فِي عَصْرٍ يَجُوزُ أَنْ يُجْمِعَ أُولَئِكَ عَلَى خِلَافِهِ فَيُنْسَخُ بِهِ الْأَوَّلُ وَكَذَا فِي عَصْرَيْنِ) عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَقْيِيدٍ وَتَعَقُّبٍ نَذْكُرُهُمَا قَرِيبًا

(وَوَجْهُ) قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي كَشْفِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>