للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِوُجُودِ مَا يُفِيدُ ظَنَّ أَحَدِهَا رَاجِحًا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا لَعَلَّهُ دَلِيلُ الْأَشْعَرِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْبَدِيعِ وَالْقَاضِي كُلٌّ مِنْ هَذِهِ مُمْكِنٌ وَالْوُقُوعُ ظَنِّيٌّ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا لَفْظُهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ مِنْهُ بِظَنِّ أَحَدِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الْإِمْكَانِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ يَعْنِي لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ ثُمَّ النَّظَرُ إلَى الْوَاقِعِ يُفِيدُ ظَنَّ وُقُوعِ أَحَدِهَا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُوجِبِ لِلْوَقْفِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا هُوَ عِنْدَهُ فَهُوَ قَائِلٌ بِهِ كَذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَنْ الْقَطْعِ بِهِ وَبِغَيْرِهِ لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَاقِفًا عَنْ الْقَطْعِ بَلْ يَكُونُ قَاطِعًا بِعَدَمِ الْقَطْعِ بِأَحَدِهَا وَلَا يُنَافِيهِ ظَنُّ أَحَدِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنَّ لَوْ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ الْقَطْعَ بِذَلِكَ عَنْ مُلَاحَظَةِ مَا فِي الْوَاقِعِ مُوجِبًا لَهُ فِي نَظَرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ لِمَانِعٍ قَامَ عِنْدَهُ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمَانِعٍ فِي الْوَاقِعِ فَأَخْبَرَ عَمَّا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي فِي هَذِهِ شَيْئًا فَأَطْلَقَ الْوَقْفَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ عَنْ الْقَطْعِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ تَبَادُرِ ذَلِكَ مِنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. رَابِعُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَاضِعُ فِي تَعْرِيفِ النَّاسِ اصْطِلَاحَهُ لِيُوَافِقُوهُ عَلَيْهِ تَوْقِيفِيٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا عَدَاهُ مُمْكِنٌ ثُبُوتُهُ بِكُلٍّ مِنْ التَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ أَوْ هُوَ ثَابِتٌ بِالِاصْطِلَاحِ عَلَى اخْتِلَافِ النَّقْلِ عَنْهُ فِي هَذَا كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَيُعْرَفُ هَذَا بِالْمَذْهَبِ التَّوْزِيعِيِّ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ فِي ضِمْنِ رَدِّهِ بِقَوْلِهِ (وَلَفْظُ كُلَّهَا) فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: ٣١] (يَنْفِي اقْتِصَارَ الْحُكْمِ عَلَى كَوْنِ مَا وَضَعَهُ سُبْحَانَهُ الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ الِاصْطِلَاحِ) وَالْأَحْسَنُ يَنْفِي اقْتِصَارَ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ الِاصْطِلَاحِ (إذْ يُوجِبُ) لَفْظُ كُلَّهَا (الْعُمُومَ) لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا مَعَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ تُفِيدُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَنَصُّ فِيهِ ثُمَّ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ خَصَّصَ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِقِيَامِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ عَلَيْهِ فَبَقِيَ فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْعُمُومِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ (فَانْتَفَى) بِهَذَا (تَوَقُّفُ الْأُسْتَاذِ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ الْوَاقِعُ بِعَيْنِهِ فِيهِ مِنْ التَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ (كَمَا نُقِلَ عَنْهُ) أَيْ الْأُسْتَاذِ لِعَدَمِ مُوجِبِ التَّوَقُّفِ فِي ذَلِكَ.

وَمِنْ النَّاقِلِينَ عَنْهُ هَذَا الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ اصْطِلَاحِيٌّ، وَعَلَى هَذَا يُقَالُ بَدَلُ هَذَا فَانْتَفَى قَوْلُهُ بِالِاصْطِلَاحِ فِي غَيْرِهِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ أَثْبَتَ عِنْدَهُ ثُمَّ لَمَّا كَانَ وَجْهُ قَوْلِهِ دَعْوَى لُزُومِ الدَّوْرِ عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَاءِ التَّوْقِيفِ فِي الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنْ يُقَالَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحِ بِالتَّوْقِيفِ لَتَوَقَّفَ الِاصْطِلَاحُ عَلَى سَبْقِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَالْمَفْرُوضُ أَنَّهُ يُعْرَفُ بِالِاصْطِلَاحِ فَيَلْزَمُ تَوَقُّفُهُ عَلَى سَبْقِ الِاصْطِلَاحِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَهُوَ الدَّوْرُ هَذَا تَقْرِيرُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ، وَأَمَّا الْعَلَّامَةُ، وَمَنْ تَبِعَهُ فَبَنَوْا لُزُومَ الدَّوْرِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ الْعَوْدِ إلَى الِاصْطِلَاحِ الْأَوَّلِ ضَرُورَةَ تَنَاهِي الِاصْطِلَاحَاتِ أَوْ دَعْوَى التَّسَلْسُلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ الِاصْطِلَاحِ بِالتَّوْقِيفِ لَتَوَقَّفَ مَعْرِفَةُ الِاصْطِلَاحِ عَلَى سَبْقِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ بِاصْطِلَاحٍ آخَرَ سَابِقٍ، وَهُوَ عَلَى آخَرَ، وَهَلُمَّ جَرَّا وَالدَّوْرُ وَالتَّسَلْسُلُ بَاطِلَانِ فَمَلْزُومُهُمَا بَاطِلٌ جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا مُصَرِّحًا بِانْتِفَائِهِمَا فَقَالَ (وَإِلْزَامُ الدَّوْرِ أَوْ التَّسَلْسُلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَوْقِيفُ الْبَعْضِ مُنْتَفٍ) ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ تَوَقُّفَ الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ عَلَى الِاصْطِلَاحِ قَوْلُكُمْ الْمَفْرُوضُ أَنَّهُ يُعْرَفُ بِالِاصْطِلَاحِ مَمْنُوعٌ بَلْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِالتَّوْقِيفِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ أَنْ يُعْرَفَ بِالِاصْطِلَاحِ بَلْ بِالتَّرْدِيدِ وَالْقَرَائِنِ كَالْأَطْفَالِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ يُمْكِنُ مَنْعُ تَوَقُّفِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى سَبْقِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ (بَلْ التَّرْدِيدُ مَعَ الْقَرِينَةِ كَافٍ فِي الْكُلِّ) .

ثُمَّ لَمَّا لَزِمَ مِنْ سَوْقِ الْمُصَنِّفِ الْجُنُوحُ إلَى الْمَذْهَبِ التَّوْقِيفِيِّ وَكَانَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ لَهُ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا إنَّمَا تُثْبِتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>