ذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ وَاَلَّذِي فِي الْمَحْصُولِ وَالْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ وَالْأَوْسَطِ لِابْنِ بَرْهَانٍ عَنْهُ إنْ كَانَ الْقَائِلُ حَاكِمًا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةَ وَإِلَّا فَنَعَمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ وَاضِحٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ صُدُورِهِ عَنْ الْحَاكِمِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ فَقَدْ يُفْتِي الْحَاكِمُ تَارَةً وَيَقْضِي أُخْرَى وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ إجْمَاعٌ إنْ كَانَ حُكْمًا، غَيْرُ إجْمَاعٍ إنْ كَانَ فُتْيَا (وَعَنْ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ) فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا (وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبَانَ وَالْبَاقِلَّانِيّ وَدَاوُد وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ) وَالْغَزَالِيُّ بَلْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ إنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَالسُّبْكِيُّ. وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ نَقَلُوا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ السُّكُوتِيُّ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَ أَنَّهُ آخِرُ أَقْوَالِهِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَابْنُ بَرْهَانٍ إلَيْهِ ذَهَبَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ وَنَصَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَأَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ فِي الْأُصُولِ وَمُقَدِّمَاتِ كُتُبِهِمْ الْمَبْسُوطَةِ فِي الْفُرُوعِ انْتَهَى.
وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرِّسَالَةِ أَيْضًا لَكِنْ صَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْأُمِّ بِخِلَافِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَأَنْ يُنَزَّلُ الْقَوْلَانِ عَلَى حَالَيْنِ فَالنَّفْيُ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ مِنْ حَاكِمٍ وَالْإِثْبَاتُ إذَا مَا صَدَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي اللُّمَعِ إنَّهُ إجْمَاعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَجَمَعَ السُّبْكِيُّ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَنْفِيَّ هُوَ الْقَطْعِيُّ وَالْمُثْبَتُ هُوَ الظَّنِّيُّ، وَأَمَّا مُتَقَدِّمُو الْأُصُولِيِّينَ فَلَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْإِجْمَاعِ إلَّا عَلَى الْقَطْعِيِّ انْتَهَى.
قُلْت وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ كَالرُّويَانِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ حُجَّةٌ وَهَلْ هُوَ إجْمَاعٌ فِيهِ وَجْهَانِ (وَالْجُبَّائِيُّ إجْمَاعٌ بِشَرْطِ الِانْقِرَاضِ) لِلْعَصْرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَنَقَلَهُ ابْنُ فُورَكٍ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِ مَذْهَبِهِ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ عَنْ حُذَّاقِهِمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَقَالَ فِي اللُّمَعِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالرَّافِعِيُّ إنَّهُ أَصَحُّ الْأَوْجُهِ (وَمُخْتَارُ الْآمِدِيِّ) وَالْكَرْخِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي هَاشِمٍ عَلَى مَا فِي الْقَوَاطِعِ (إجْمَاعٌ ظَنِّيٌّ أَوْ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ) وَقِيلَ إنْ كَانَ السَّاكِنُونَ أَقَلَّ كَانَ إجْمَاعًا وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مُخْتَارُ الْجَصَّاصِ، وَحَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ إنْ وَقَعَ فِي شَيْءٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهُ مِنْ إرَاقَةِ دَمٍ أَوْ اسْتِبَاحَةِ فَرْجٍ فَإِجْمَاعٌ وَإِلَّا فَحُجَّةٌ وَفِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا وَجْهَانِ وَذَهَبَ الرُّويَانِيُّ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ عَصْرِهِمْ فَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ التَّابِعِينَ بِالصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَصَاحِبُ الْوَافِي تَابِعِي التَّابِعِينَ بِالتَّابِعِينَ، وَصَرَّحَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَعْصَارِ كَذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ قَالَ (الْحَنَفِيَّةُ لَوْ شُرِطَ سَمَاعُ قَوْلِ كُلٍّ) مِنْ الْمُجْمِعِينَ (انْتَفَى) الْإِجْمَاعُ (لِتَعَذُّرِهِ) أَيْ سَمَاعِ قَوْلِ كُلٍّ (عَادَةً) قَالَ السَّرَخْسِيُّ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ السَّمَاعُ مِنْ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ بِقُرُونٍ فَهُوَ سَاقِطٌ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَذِّرَ كَالْمُمْتَنِعِ، وَكَذَا يَتَعَذَّرُ السَّمَاعُ عَنْ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ وَالْوُقُوفُ عَلَى قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ حَقِيقَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ الْبَيِّنِ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ غَيْرُ مُنْتَفٍ فَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مُنْتَفٍ، فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ تَعْلَمُونَ السُّكُوتِيَّ مِنْ الْقَوْلِ حِينَئِذٍ؟ فَالْجَوَابُ بِالتَّتَبُّعِ لِكَيْفِيَّةِ وُقُوعِهِ فَمَا تُتُبِّعَ فَلَمْ يُدْرَ كَيْفَ وُجِدَ كَانَ قَوْلِيًّا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَمَا تُتُبِّعَ فَوُجِدَ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ أَوْ قَضَى بِهِ بَعْضُهُمْ بِمَحْضَرٍ مِنْهُمْ أَوْ بِغَيْبَةٍ مِنْهُمْ وَبَلَغَهُمْ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْ نُقِلَ ابْتِدَاءً بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فَهُوَ سُكُوتِيٌّ.
(وَأَيْضًا الْعَادَةُ فِي كُلِّ عَصْرٍ إفْتَاءُ الْأَكَابِرِ وَسُكُوتُ الْأَصَاغِرِ تَسْلِيمًا وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ السُّكُوتِيَّ (إجْمَاعٌ فِي الْأُمُورِ الِاعْتِقَادِيَّةِ فَكَذَا) الْأَحْكَامُ (الْفَرْعِيَّةُ) يَكُونُ فِيهَا إجْمَاعًا قَالَ (النَّافُونَ) لِحُجِّيَّتِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ قَطْعًا وَظَنًّا (السُّكُوتُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُوَافَقَةِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ تَفَكُّرٍ أَوْ عَدَمِ اجْتِهَادٍ أَوْ تَعْظِيمٍ) لِلْقَائِلِ فَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً مَعَ قِيَامِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ (أَجَابَ الظَّنِّيُّ بِأَنَّهُ) أَيْ السُّكُوتَ (ظَاهِرٌ فِي الْمُوَافَقَةِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute