لَمْ يَخُصَّ فِي مَالٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا إذَا ذَهَبَ نِصْفٌ وَنِصْفٌ فَأَيْنَ الثُّلُثُ فَسَاقَ الْحَدِيثَ وَرَأْيُهُ فِي ذَلِكَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ لَهُ زُفَرُ مَا مَنَعَك أَنْ تُشِيرَ عَلَيْهِ بِهَذَا الرَّأْيِ قَالَ هَيْبَةً وَاَللَّهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ مَوْقُوفٌ حَسَنٌ انْتَهَى
قَالُوا وَلَئِنْ صَحَّ فَهَذَا مِنْهُ إظْهَارٌ لِلْعُذْرِ فِي الِامْتِنَاعِ عَنْ مُنَاظَرَتِهِ وَاسْتِقْصَائِهِ فِي الْمُحَاجَّةِ مَعَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ احْتِشَامًا وَإِجْلَالًا لَهُ كَمَا يَكُونُ مَعَ الشُّبَّانِ مَعَ ذَوِي الْأَسْنَانِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَلَا سِيَّمَا إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْمُخَالِفَ لَا يَرْجِعُ عَنْ رَأْيِهِ فَإِنَّ الْمُنَاظَرَةَ فِي ذَلِكَ قَدْ تُتْرَكُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا وَإِنْ دَفَعَ أَنَّ السُّكُوتَ قَدْ يَكُونُ تَقِيَّةً لَا يَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهَا مُطْلَقًا لَا لِلْمُوَافَقَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ كَوْنِهِ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا، بَلْ قُصَارَى مَا يَثْبُتُ مَعَهُ كَوْنُهُ ظَنِّيًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ نَادِرٌ فَلَا يَقْدَحُ فِيمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا تَمَّ لِابْنِ عَبَّاسٍ السُّكُوتُ إجْلَالًا لَعُمَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَلُومًا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَئِذٍ فِي دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ وَغَيْرُ الْمُجْتَهِدِ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إظْهَارُ الْمُخَالَفَةِ (وَقَدْ يُقَالُ السُّكُوتُ عَنْ) إنْكَارِ (الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَى إنْكَارِهِ (فِسْقٌ وَقَوْلُ الْمُجْتَهِدِ لَيْسَ إيَّاهُ) أَيْ مُنْكَرًا (فَلَا يَجِبُ) عَلَى الْمُجْتَهِدِ السَّاكِتِ (إظْهَارُ خِلَافِهِ) أَيْ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ النَّاطِقِ (لِيَكُونَ السُّكُوتُ) عَنْ إنْكَارِهِ (فِسْقًا) لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ سُكُوتًا عَنْ إنْكَارِ الْمُنْكِرِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إنْكَارِهِ (بَلْ هُوَ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ السَّاكِتُ (مُخَيَّرٌ) بَيْنَ السُّكُوتِ وَاظِهَارِ خِلَافِهِ وَهَذَا (بِخِلَافِ الِاعْتِقَادِيِّ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدَ فِيهِ (مُكَلَّفٌ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ فَغَيْرُهُ) أَيْ الْحَقِّ إذَا أُتِيَ بِهِ (عَنْ اجْتِهَادِ مُنْكِرٍ فَامْتَنَعَ السُّكُوتُ) فِيهِ كَيْ لَا يَكُونَ سَاكِتًا عَنْ مُنْكَرٍ فَيَكُونُ فَاسِقًا اللَّهُمَّ (إلَّا أَنْ يُقَالَ يَجِبُ) عَلَى السَّاكِتِ إظْهَارُ خِلَافِ قَوْلِ الْقَائِلِ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا (لِتَجْوِيزِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ السَّاكِتِ (رُجُوعَ الْمُفْتِي) أَوْ الْقَاضِي (إلَيْهِ) أَيْ إلَى قَوْلِهِ (لِحَقِّيَّتِهِ) عَلَى أَنَّا سَنَذْكُرُ مِنْ الْمِيزَانِ أَنَّ الْعَمَلَ وَالِاعْتِقَادِيَّ فِي الْجَوَابِ سَوَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ.
(وَإِذَنْ فَقَوْلُ مُعَاذٍ فِي جَلْدِ الْحَامِلِ) الَّتِي زَنَتْ لَمَّا هَمَّ بِجِلْدِهَا عُمَرُ أَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَك عَلَى ظَهْرِهَا سَبِيلًا (مَا جَعَلَ اللَّهُ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا سَبِيلًا) وَلَفْظُ كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ فَلَمْ يَجْعَلْ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا سَبِيلًا فَقَالَ لَوْلَا مُعَاذٌ لَهَلَكَ عُمَرُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَخْرِيجِهِ. دَلِيلٌ (لِلْوُجُوبِ) أَيْ وُجُوبِ إظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ فِي قَضَاءِ الْمُجْتَهِدِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْمُخَالِفِ لَهُ (فَيَبْطُلُ) بِهِ (تَفْصِيلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ) السَّابِقُ بِنَاءً عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ لَا تُنْكِرُ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّ مُعَاذًا أَنْكَرَ الْقَضَاءَ الْمُخَالِفَ لِمَا عِنْدَهُ (لَكِنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ إظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ السَّاكِتِ لِلْمُجْتَهِدِ الْقَائِلِ إذَا جُوِّزَ رُجُوعُهُ إلَيْهِ (مَمْنُوعٌ) ؛ لِأَنَّ التَّجْوِيزَ غَيْرُ مُلْزِمٍ وَلَيْسَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَائِلُ بِمَعْلُومِ الْبُطْلَانِ فِي الْوَاقِعِ بَلْ صَوَابٌ عِنْدَ قَائِلِهِ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَعْذُورٌ فِي حَالِ الْخَطَأِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَ مُعَاذٍ دَلِيلُ الْوُجُوبِ بَلْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَوْلُ مُعَاذٍ اخْتِيَارٌ لِأَحَدِ الْجَائِزَيْنِ) مِنْ السُّكُوتِ وَإِظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ (أَوْ) إظْهَارُ الْمُخَالَفَةِ وَاجِبٌ (فِي خُصُوصِ) هَذِهِ (الْمَادَّةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ عَنْ تَعْرِيضِهَا لِلْهَلَاكِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ السُّكُوتِ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا فِي الِاعْتِقَادِيِّ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْفَرْعِيِّ لِعَدَمِ اللَّازِمِ الْبَاطِلِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ غَيْرَ إجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ فِي الْفَرْعِيِّ بِخِلَافِهِ فِي الِاعْتِقَادِيِّ لَكِنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يُبْطِلُ الْمُدَّعَى.
(وَقَوْلُهُ) أَيْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (الْعَادَةُ أَنْ لَا يُنْكَرَ بِخِلَافِ الْفَتْوَى) إنَّمَا هُوَ (بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ) لَا قَبْلَهُ وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا قَبْلَهُ وَالْأَمْرُ فِي الْفَتْوَى كَذَلِكَ (وَقَوْلُ الْجُبَّائِيُّ الِاحْتِمَالَاتُ تَضْعُفُ بَعْدَ الِانْقِرَاضِ لَا قَبْلَهُ) أَيْ الِانْقِرَاضِ (مَمْنُوعٌ بَلْ الضَّعْفُ) لَهَا (يَتَحَقَّقُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ فِي مِثْلِهِ عَادَةً وَمِنْ الْمُحَقِّقِينَ) وَهُوَ عَضُدُ الدِّينِ (مَنْ قَيَّدَ قَطْعِيَّتَهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ (بِمَا إذَا كَثُرَ وَتَكَرَّرَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى) بِلَفْظِ رُبَّمَا (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيِّ فِيمَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ مِمَّا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَقَدْ تَكَرَّرَ الْإِفْتَاءُ وَالْحُكْمُ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ عَدَمِ الْمُخَالَفَةِ مِنْ آخَرِينَ (يُحْتَمَلُ) أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلْقَطْعِ بِمَضْمُونِهِ كَمَا ذُكِرَ لِبُعْدِ ظَنِّ الْمُخَالَفَةِ مِنْ السَّاكِتِينَ فِي مِثْلِهِ عَادَةً بَلْ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ تَكَرُّرَ الْفُتْيَا مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute