بِقَوْلِهِ (وَإِلْحَاقُ غَيْرِ الْمَاءِ بِهِ) أَيْ الْمَاءِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ (لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ) لِلشَّارِعِ مِنْ الْأَمْرِ بِغَسْلِ الثَّوْبِ بِهِ (الْإِزَالَةُ) لِلنَّجَاسَةِ (لَا الِاسْتِعْمَالُ) لِلْمَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (وَإِنْ نَصَّ) الشَّارِعُ (عَلَى الْمَاءِ فِي قَوْلِهِ وَاغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ) وَإِنَّمَا قُلْنَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِزَالَةُ (لِلِاكْتِفَاءِ) أَيْ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ (بِقَطْعِ مَحِلِّهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ فِي إسْقَاطِ هَذَا الْوَاجِبِ وَلَوْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ وَاجِبًا لَعَيَّنَهُ لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ (فَيَتَعَدَّى) هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ النَّجَسِ بِغَسْلِهِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ الطَّاهِرِ (إلَى كُلِّ مُزِيلٍ) قَالِعٍ طَاهِرٍ بِمَاءٍ كَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمَاءِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْيُسْرِ لِسُهُولَتِهِ وَكَثْرَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ إزَالَةُ الْحَدَثِ أَيْضًا بِالْمَائِعِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ نَصَّ عَلَى إزَالَتِهِ بِالْمَاءِ لَعَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا فَالْجَوَابُ لَا لِكَوْنِ إزَالَتِهِ الْخَبَثَ بِالْمَاءِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى (بِخِلَافِ) إزَالَةِ (الْحَدَثِ) بِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى إذْ (لَيْسَ) الْحَدَثُ (أَمْرًا مُحَقَّقًا) عَلَى الْأَعْضَاءِ (يُزَالُ) بِالْمَاءِ (بَلْ) هُوَ (اعْتِبَارٌ) شَرْعِيٌّ اُعْتُبِرَ قَائِمًا بِالْأَعْضَاءِ ثُمَّ (وُضِعَ الْمَاءُ لِقَطْعِهِ) بِأَنَّ تَعَبُّدَهُ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَسْحِ بِرَأْسِهِ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَالْمَاءُ إنَّمَا يُزِيلُ الْأَجْرَامَ الْحِسِّيَّةَ لَا الْأُمُورَ الْمَعْنَوِيَّةَ (فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا عُلِمَ قَطْعُ الشَّارِعِ اعْتِبَارَهُ) أَيْ الْحَدَثِ (عِنْدَهُ) أَيْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَا يُقَالُ لَا يُقَاسُ الْمَائِعُ الطَّاهِرُ الْقَالِعُ عَلَى الْمَاءِ فِي هَذَا لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَتَخْلُفُ النَّجَاسَةُ الْبِلَّةَ النَّجِسَةَ.
وَكَذَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَهَلُمَّ جَرَّا إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَسْقَطَ هَذَا لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّا نَقُولُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِذْ سَقَطَ التَّنَجُّسُ بِالْمُلَاقَاةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ (لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ سَقَطَ) التَّنَجُّسُ بِالْمُلَاقَاةِ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ الْقَالِعَةِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالتَّطْهِيرِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهَا وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْعِلَّةِ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْحُكْمِ (وَمَا يُقَالُ) سَقَطَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ (فِي الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ إنْ أُرِيدَ ضَرُورَةُ الْإِزَالَةِ فَكَذَا) سَقَطَ مُقْتَضَاهُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْمَاءِ ضَرُورَةَ الْإِزَالَةِ (أَوْ) أُرِيدَ (أَنَّهُ لَا يُزِيلُ سِوَاهُ) أَيْ الْمَاءِ حِسًّا (فَلَيْسَ) هَذَا الْمُرَادُ (وَاقِعًا) كَمَا يَقْطَعُ بِهِ الْوِجْدَانُ (أَوْ) أُرِيدَ أَنَّهُ (لَا يُزِيلُ) غَيْرُ الْمَاءِ (شَرْعًا فَمَحَلُّ النِّزَاعِ وَأَنْ لَا يَتَقَدَّمَ) حُكْمُ الْفَرْعِ بِالشَّرْعِيَّةِ (عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ هَذَا (كَالْوُضُوءِ) أَيْ كَقِيَاسِهِ (فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ) فِيهِ (عَلَى التَّيَمُّمِ) بِجَامِعٍ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ لِأَنَّ الْوُضُوءَ بِالشَّرْعِيَّةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى التَّيَمُّمِ إذْ شَرْعِيَّةُ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالتَّيَمُّمِ بَعْدَهَا فَلَمْ يَجُزْ قِيَاسُ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ (لِثُبُوتِهِ) أَيْ حُكْمِ الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ حِينَئِذٍ (قَبْلَ عِلَّتِهِ) أَيْ قَبْلَ ثُبُوتِ عِلَّتِهِ لِأَنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ حُكْمِ الْفَرْعِ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مُتَأَخِّرَةً عَنْ حُكْمِهِ بِمَرْتَبَتَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْفَرْعِ ثَابِتًا قَبْلَ الْعِلَّةِ وَثُبُوتُ حُكْمِ الْقِيَاسِ قَبْلَهَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ ثَابِتًا بِدُونِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ فَيَكُونُ الثَّابِتُ بِالْقِيَاسِ ثَابِتًا بِدُونِهِ وَهُوَ مُحَالٌ اللَّهُمَّ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ (إلْزَامًا بِمَعْنَى لَا فَارِقَ) بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَقَدْ قُلْتُمْ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ فَكَذَا فِي الْوُضُوءِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ قِيَاسُ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي انْتِفَاءِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا (وَأَبْدَلَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ هَذَا) الشَّرْطَ (بِأَنْ يَكُونَ) الْفَرْعُ (نَظِيرَهُ) أَيْ مِثْلَ الْأَصْلِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يُوجَدَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ لَا فِي كُلِّ وَصْفٍ.
وَإِنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَرْعُ مِثْلًا لَهُ فِي الْعِلَّةِ لَمَّا صَحَّ تَسْوِيَتُهُ مَعَ الْأَصْلِ فِيهِ (وَلَيْسَ الْوُضُوءُ نَظِيرَهُ) أَيْ التَّيَمُّمِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوُضُوءَ (مُطَهِّرٌ فِي نَفْسِهِ أَيْ مُنَظِّفٌ) وَفَسَّرَهُ بِهِ لِيَتَّضِحَ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَيَكُونُ مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ بَلْ الْمَعْنَى الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّنْظِيفُ مِنْ الْأَخْبَاثِ وَالْأَوْسَاخِ (وَالتَّيَمُّمُ مُلَوِّثٌ اُعْتُبِرَ مُطَهِّرًا شَرْعًا عِنْدَ قَصْدِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ) أَيْ قَصْدُ أَدَائِهَا (النِّيَّةُ) الْوَاجِبَةُ فِيهِ (فَلَا يَلْزَمُ فِيمَا هُوَ مُطَهِّرٌ فِي نَفْسِهِ مُنَظِّفٌ قَصْرُ طَهَارَتِهِ شَرْعًا عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ) أَيْ قَصْدِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا تُسْتَبَاحَ بِهِ إلَّا مَعَهَا (وَحَاصِلُهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute