للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّمْكِينَ مِنْ الطَّعَامِ (فِي الْفَرْعِ) وَهُوَ الطَّعَامُ (أَعَمُّ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ) إذْ هُوَ جَعَلَ الْغَيْرَ طَاعِمًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ لَازَمَهُ طَعْمٌ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَجُعِلَ تَمْلِيكُ الطَّعَامِ وَاجِبًا عَيْنًا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ نَصِّ الْفَرْعِ وَهُوَ غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ (وَالسَّلَمُ الْحَالُ) أَيْ وَبَطَلَ قِيَاسُهُ (بِالْمُؤَجَّلِ) فِي الْجَوَازِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ حُكْمِ نَصٍّ عَلَى حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ (لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ وَهُوَ السَّلَمُ الْمُؤَجَّلُ اشْتَمَلَ عَلَى جَعْلِ الْأَجَلِ خَلَفًا عَنْ مِلْكِ الْمُسْلَمِ فِيهِ) لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ (وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبَيْعِ كَوْنَ الْمَبِيعِ مَوْجُودًا مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ أَوْ مُتَعَلِّقَ وِلَايَتِهِ لِبَيْعِهِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَمَّا رَخَّصَ الشَّارِعُ فِي السَّلَمِ بِصِفَةِ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَقَامَ الْأَجَلَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْقُدْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ عَلَيْهِ مَقَامَهَا وَجَعَلَهُ خَلَفًا عَنْهَا وَفَوَاتُ الشَّيْءِ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ.

(وَإِنْ) كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ (عِنْدَهُ) أَيْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا (بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ (مُسْتَحِقًّا لِحَاجَةٍ أُخْرَى) فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَحِقِّ لِلشُّرْبِ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ (وَالْإِقْدَامُ) عَلَى الْإِسْلَامِ (دَلِيلُهُ) أَيْ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِحَاجَةٍ أُخْرَى وَإِلَّا لَبَاعَهُ فِي الْحَالِ بِأَوْفَرِ ثَمَنٍ وَلَمْ يَبِعْهُ بِجِنْسٍ مِنْ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ مُتَوَفِّرَةٌ فِي حُصُولِ الِاسْتِرْبَاح، وَكَوْنُ الْإِقْدَامِ دَلِيلَهُ ثَابِتٌ (بِدَلِيلِ النَّصِّ عَلَى الْأَجَلِ) أَيْ مَا سَلَفَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (وَهُوَ) أَيْ جَعْلُ الْأَجَلِ خَلَفًا عَنْ مِلْكِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَعَنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (مُنْتَفٍ مِنْ) السَّلَمِ (الْحَالِّ) إذْ لَا أَجَلَ فِيهِ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّقْرِيرُ يُعْطِي أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ تَغْيِيرُ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِيهِ فِي الْفَرْعِ لَا تَغْيِيرُ حُكْمِ نَصٍّ عَلَى غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُورَدَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا تَغْيِيرُ حُكْمِ نَصٍّ عَلَى غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ» لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ السَّلَمُ الْمُؤَجَّلُ وَلَمْ يَبْقَ تَحْتَهُ سِوَى السَّلَمِ الْحَالِّ فَلَوْ جَازَ قِيَاسًا عَلَى الْمُؤَجَّلِ لَبَطَلَ هَذَا النَّصُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَى تَحْتَهُ شَيْءٌ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا يُقَالُ بَلْ تَحْتَهُ غَيْرُهُمَا كَبَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَانِ وَأَمْثَالُهُمَا مِنْ صُوَرِ السَّلَمِ الْحَالِّ أَيْضًا فِي الْمَعْنَى إذْ لَيْسَ الْمَعْنَى بِالسَّلَمِ إلَّا بَيْعُ غَائِبٍ بِثَمَنِ حَاضِرٍ وَالسَّلَمُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ وَالْبَيْعِ عَلَى الصَّحِيحِ فَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ نَظَرًا إلَى هَذَا التَّوْجِيهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُورَدُ فِي أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ إعْلَامًا بِأَنَّهُ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ غَيْرَ مَا اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ وَالشَّيْءُ إذَا كَانَ بَاطِلًا بِاعْتِبَارَاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ قَدْ يُورَدُ فِي كُلٍّ مِنْ أَمْثِلَةٍ اعْتِبَارٌ مِنْ تِلْكَ الِاعْتِبَارَاتِ ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِي الْفَرْعِ حُكْمُ نَصٍّ إلَخْ إنَّمَا هُوَ (بِالذَّاتِ شَرْطُ التَّعْلِيلِ لَا) شَرْطُ (حُكْمِ الْفَرْعِ وَيَسْتَلْزِمُ) انْتِفَاءُ هَذَا الشَّرْطِ لِلتَّعْلِيلِ (التَّغَيُّرَ فِي الْفَرْعِ) فَإِنْ قِيلَ جَوَّزْتُمْ دَفَعَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ قِيَاسًا عَلَى الْعَيْنِ وَصَرَفَ الزَّكَاةَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ قِيَاسًا عَلَى صَرْفِهَا إلَى الْكُلِّ بِعِلَّةِ دَفْعِ حَاجَةِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ.

وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي دَفْعِ الْقِيَمِ وَفِي الصَّرْفِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ تُوجَدُ فِيهِ الْحَاجَةُ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ النَّصِّ الدَّالِ عَلَى وُجُوبِ عَيْنِ الشَّاةِ وَالنَّصُّ الدَّالُ عَلَى كَوْنِ الزَّكَاةِ حَقًّا لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ قُلْنَا كَوْنُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ مُغَيِّرًا لِحُكْمَيْ النَّصَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مَمْنُوعٌ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ التَّقْسِيمِ الثَّانِي لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَقَدَّمَ دَفْعُ النَّقْضِ بِدَفْعِ الْقِيَمِ) .

وَكَذَا تَقَدَّمَ دَفْعُ النَّقْضِ فِي جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ لِصِنْفٍ فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ وَأَوْرَدَ ثَبْتَ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِتَطْهِيرِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ فَقَالَ تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ» وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «اقْرِضِيهِ بِالْمَاءِ وَاغْسِلِيهِ وَصَلِّي فِيهِ» وَقَدْ جَوَّزْتُمْ إزَالَتَهَا عَنْ الثَّوْبِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ مُزِيلٍ سِوَى الْمَاءِ بِالتَّعْلِيلِ بِكَوْنِهِ قَالِعًا مُزِيلًا وَفِيهِ تَغْيِيرُ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْأَصْلِ وَأُجِيبُ بِأَنْ لَيْسَ فِي تَجْوِيزِ إزَالَتِهَا بِالْمَائِعِ الْمَذْكُورِ تَغْيِيرُ حُكْمِ النَّصِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>