ضَرُورِيٌّ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ حِفْظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ عُمُومًا.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ الشَّرْعَ يُؤْثِرُ الْكُلِّيَّ عَلَى الْجُزْئِيِّ وَأَنَّ حِفْظَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَهَمُّ مِنْ حِفْظِ دَمِ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ وَالدَّلِيلُ أَنَّ التُّرْسَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْمُلَائِمِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ الْجِنْسَ الْقَرِيبَ لِهَذَا الْوَصْفِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ لِهَذَا الْحُكْمِ إذْ لَمْ يُعْلَمْ فِي الشَّرْعِ إبَاحَةُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِعِلَّةٍ مِنْ الْعِلَلِ لَكِنَّهُ اعْتَبَرَ جِنْسَهُ الْبَعِيدَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ وُجِدَ اعْتِبَارُ الضَّرُورَةِ فِي الرُّخْصَةِ فِي اسْتِبَاحَةِ الْمُحَرَّمَاتِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا اعْتِبَارٌ لِلْجِنْسِ الْأَبْعَدِ مِنْ الْوَصْفِ أَعْنِي الْأَعَمَّ مِنْ ضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفْسِ وَهُوَ مُطْلَقُ الضَّرُورَةِ وَالْأَبْعَدُ غَيْرُ كَافٍ فِي الْمُلَاءَمَةِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَعِيدُ هُنَا الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ ضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفْسِ فَضْلًا عَنْ مُطْلَقِ الضَّرُورَةِ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ ضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفْسِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ هُنَا الْأَخَصُّ مِنْهَا وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَفِي التَّلْوِيحِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ حُصُولَ الْمَنْعِ الْكَثِيرِ فِي تَحَمُّلِ الضَّرَرِ الْيَسِيرِ وَجَمِيعُ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ هَذَا وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ بَلْ يَمْتَنِعُ لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا إنَّمَا يَكُونُ بِغَالِبِ الرَّأْيِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَغِيبٌ عَنَّا لَا بِالْيَقِينِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُدَارُ عَلَى وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ (فَلَا يُرْمَى الْمُتَتَرِّسُونَ بِالْمُسْلِمِينَ لِفَتْحِ حِصْنٍ) لِأَنَّ فَتْحَهُ لَيْسَ ضَرُورِيًّا (وَلَا) يُرْمَى الْمُتَتَرِّسُونَ بِالْمُسْلِمِينَ (لِظَنِّ اسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ) ظَنًّا بَعِيدًا مِنْ الْقَطْعِ لِانْتِفَاءِ الْقَطْعِ وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ (وَلَا يُرْمَى بَعْضُ أَهْلِ السَّفِينَةِ لِنَجَاةِ بَعْضٍ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كُلُّ الْأُمَّةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَاحْتِمَالُ كَوْنِ الْمَصْلَحَةِ فِي بَقَاءِ مَنْ أَبْقَى (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ (الْمُسَمَّى
بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ
) لِإِرْسَالِهَا أَيْ إطْلَاقِهَا عَمَّا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهَا أَوْ إلْغَائِهَا شَرْعًا (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (رَدُّهُ) مُطْلَقًا (إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الِاعْتِبَارِ) أَيْ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ إيَّاهُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ إذَا قِيلَ بِهِ (دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فَوَجَبَ رَدُّهُ) فَانْتَفَى تَخْصِيصُ رَدِّهِ بِكَوْنِهِ فِي الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِيهَا لِلْمَصْلَحَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَالْبَيْعِ وَالْحَدِّ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِهِ (فَتَخْلُو وَقَائِعُ) مِنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى تَقْدِيرِ رَدِّهَا وَخُلُوُّهَا مِنْهُ بَاطِلٌ.
(قُلْنَا نَمْنَعُ الْمُلَازَمَةَ لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ وَالْأَقْيِسَةَ شَامِلَةٌ) لِتِلْكَ الْوَقَائِعِ (وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ شُمُولِهَا لَهَا (فَنَفْيُ كُلِّ مُدْرَكٍ خَاصٍّ) لِلدَّلِيلِ الْخَاصِّ (حُكْمُهُ) أَيْ ذَلِكَ النَّفْيِ (الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ فَلَمْ تَخْلُ) تِلْكَ الْوَقَائِعُ (عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ) أَيْ وَخُلُوُّهَا هُوَ (الْمُبْطِلُ فَظَهَرَ) مِمَّا تَقَدَّمَ (اشْتِرَاطُ لَفْظِ الْغَرِيبِ وَالْمُلَائِمِ بَيْنَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأُوَلِ لِلْمُنَاسِبِ وَالثَّوَانِي لِلْمُرْسَلِ وَسَنَذْكُرُ أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ قَبُولُ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ) أَيْ الْمُلَائِمِ (مِنْ الْمُرْسَلِ فَاتِّفَاقُهُمْ) أَيْ الْعُلَمَاءِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُمْ نَفْيَ الْمُرْسَلِ إنَّمَا هُوَ (فِي نَفْيِ الْأَوَّلِينَ) مَا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ وَالْغَرِيبُ الْمُرْسَلُ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا يَقْتَضِيه سَوْقُ الْكَلَامِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِيهِ وَاَلَّذِي فِي تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ لِلْقَرَافِيِّ أَنَّ مَا جُهِلَ حَالُهُ مِنْ الْإِلْغَاءِ وَالِاعْتِبَارِ هُوَ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ الَّتِي تَقُولُ بِهَا الْمَالِكِيَّةُ وَيُوَافِقُهُ تَفْسِيرُ الْإِسْنَوِيِّ بِالْمُنَاسِبِ الْمُرْسَلِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِهَذَا وَمَشَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ ثُمَّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الْآمِدِيُّ إنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالثَّانِي أَنَّهُ حُجَّةٌ مُطْلَقًا وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَدْ نُقِلَ أَيْضًا عَنْ الشَّافِعِيِّ.
وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَصَالِحُ شَبِيهَةً بِالْمَصَالِحِ الْمُعْتَبَرَةِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ رَأْيُ الْغَزَالِيِّ وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً اُعْتُبِرَتْ وَإِلَّا فَلَا اهـ فَجَعَلَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا جُهِلَ حَالُهُ مِنْ الِاعْتِبَارِ وَعَدَمِهِ مَرْدُودٌ اتِّفَاقًا مَحَلَّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُرْسَلِ الْمُلَائِمِ نَعَمْ نِسْبَةُ الْإِسْنَوِيِّ ابْنَ الْحَاجِبِ إلَى أَنَّهُ قَالَ فِيمَا جُهِلَ حَالُهُ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي سَبِيلِ الْمُلَائِمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَجَعَلَ الْآمِدِيُّ الْخَارِجِيَّ) أَيْ الْمُحَقَّقَ فِي الْخَارِجِ (مِنْ الْمُلَائِمِ) قِسْمًا (وَاحِدًا) وَهُوَ مَا اُعْتُبِرَ فِيهِ خُصُوصُ الْوَصْفِ فِي خُصُوصِ الْحُكْمِ وَعُمُومِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute