وَاحِدٍ أَنَّ هَذَا (إنَّمَا هُوَ مِثَالُ غَرِيبِ الْمُرْسَلِ) الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ إلْغَاؤُهُ وَلَا اعْتِبَارُهُ كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا وَحَيْثُ كَانَ ذَاكِرًا وَجْهَ التَّقْيِيدِ بِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَإِذَنْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ
(وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُمْكِنُ فِي الْأَصْلِ اعْتِبَارَانِ الْقَتْلُ) فِي الْوَصْفِ (وَالْحِرْمَانُ) فِي الْحُكْمِ (فَيَكُونُ) الْوَصْفُ مُنَاسِبًا (مُؤَثِّرًا) فِي الْحُكْمِ.
فَإِنْ عَيَّنَ الْوَصْفَ اُعْتُبِرَ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مُرْسَلًا (أَوْ الْمُحَرَّمُ) فِي الْوَصْفِ (وَنَقِيضُ قَصْدِهِ) أَيْ الْفَاعِلِ فِي الْحُكْمِ (وَيَتَعَيَّنُ) هَذَا الِاعْتِبَارُ الثَّانِي (فِي الْمِثَالِ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ (اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِيهِمَا) أَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (إذْ هُوَ) أَيْ الْحُكْمُ (فِي الْأَصْلِ عَدَمُ الْمِيرَاثِ وَالْفَرْعِ الْمِيرَاثُ) فَلَا يَكُونُ مِنْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ (فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ) الْوَصْفُ مَعَ الْحُكْمِ (أَصْلًا فَالْمُرْسَلُ وَيَنْقَسِمُ) الْمُرْسَلُ (إلَى مَا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ (كَصَوْمِ الْمَلِكِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِمَشَقَّتِهِ) أَيْ الصَّوْمِ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ إعْتَاقِهِ) فَإِنَّهُ سَهْلٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ إيجَابَ الصِّيَامِ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَهَذَا الْقِسْمُ الْمُرْسَلُ الْمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ (وَمَا لَمْ يُعْلَمْ) إلْغَاؤُهُ (وَلَمْ يُعْلَمْ اعْتِبَارُ جِنْسِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (أَوْ) لَمْ يُعْلَمْ اعْتِبَارُ (عَيْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (أَوْ) لَمْ يُعْلَمْ اعْتِبَارُ (قَلْبِهِ) أَيْ جِنْسِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي (الْغَرِيبُ الْمُرْسَلُ وَهُمَا) أَيْ هَذَانِ الْقِسْمَانِ (مَرْدُودَانِ اتِّفَاقًا وَأُنْكِرَ عَلَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى) تِلْمِيذِ الْإِمَامِ مَالِكٍ (إفْتَاؤُهُ) بَعْضَ مُلُوكِ الْمَغْرِبِ فِي كَفَّارَةٍ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِحُكْمِ مَا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ وَهُوَ الصَّوْمُ (بِخِلَافِ الْحَنَفِيِّ) أَيْ إفْتَاءِ مَنْ أَفْتَى مِنْ الْحَنَفِيَّةِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ وَلِي خُرَاسَانَ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ بِالصَّوْمِ (مُعَلِّلًا) تَعَيُّنَ الصَّوْمِ عَلَيْهِ (بِفَقْرِهِ لِتَبِعَاتِهِ) أَيْ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ التَّبِعَاتِ فَوْقَ مَا لَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا (وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّعْلِيلُ (ثَانِي تَعْلِيلَيْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى حَكَاهُمَا بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ) الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ ابْنُ عَرَفَةَ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ مُتَّجَهٌ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمُنَاسِبِ الْمَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ فَلْيَكُنْ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ عِلَاوَةٌ فَلَا يَضُرُّ بُطْلَانُهُ (وَمَا عُلِمَ اعْتِبَارُ أَحَدِهَا) أَيْ جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ أَوْ عَيْنِهِ فِي جِنْسِهِ أَوْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِهِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ (الْمُرْسَلُ الْمُلَائِمُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ قَبُولُهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ وَذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمَا وَالسُّبْكِيُّ أَنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْ مَالِكٍ اعْتِبَارُ جِنْسِ الْمَصَالِحِ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَهِي إلَى مَقَالَةِ مَالِكٍ وَلَا يَسْتَجِيزُ التَّنَائِيَ وَالْإِفْرَاطَ فِي الْبُعْدِ وَإِنَّمَا يُسَوِّغُ تَعْلِيقَ الْأَحْكَامِ بِمَصَالِحَ يَرَاهَا شَبِيهَةً بِالْمَصَالِحِ الْمُعْتَبَرَةِ وِفَاقًا وَبِالْمَصَالِحِ الْمُسْتَنَدَةِ إلَى أَحْكَامٍ ثَابِتَةِ الْأُصُولِ تَارَةً فِي الشَّرِيعَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَخْتَارُ نَحْوَ ذَلِكَ (وَشَرَطَ الْغَزَالِيُّ) فِي قَبُولِهِ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ (كَوْنَ مَصْلَحَتِهِ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً أَيْ ظَنًّا يَقْرُبُ مِنْهُ) وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ مَعَ أَنَّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ الظَّنُّ الْقَرِيبُ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِهَا فِي الْمِثَالِ الْآتِي مَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ (كُلِّيَّةً) كَمَا لَوْ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي حَرْبِهِمْ وَعَلِمْنَا أَنَّا إنْ لَمْ نَرْمِ التُّرْسَ اسْتَأْصَلُوا الْمُسْلِمِينَ الْمُتَتَرَّسِ بِهِمْ وَغَيْرِهِمْ بِالْقَتْلِ وَإِنْ رَمَيْنَا التُّرْسَ سَلِمَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ قَتْلُ مُسْلِمٍ بِلَا ذَنْبٍ لِحِفْظِ بَاقِي الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ لِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الشَّرْعَ يَقْصِدُ تَقْلِيلَ الْقَتْلِ كَمَا يَقْصِدُ حَسْمَ سَبِيلِهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَنَحْنُ إنْ لَمْ نَقْدِرْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْحَسْمِ فَقَدْ قَدَرْنَا عَلَى التَّقْلِيلِ فَكَانَ هَذَا الْتِفَاتًا إلَى مَصْلَحَةٍ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ كَوْنُهَا مَقْصُودَةً بِالشَّرْعِ لَا بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ بَلْ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ وَلَكِنْ يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ قَتْلُ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ فَيَنْقَدِحُ اعْتِبَارُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ كَوْنُهَا ضَرُورِيَّةً لِتَعَلُّقِهَا بِحِفْظِ الدِّينِ وَالنَّفْسِ قَطْعِيَّةً أَيْ ظَنِّيَّةً ظَنًّا قَرِيبًا مِنْ الْقَطْعِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لِجَوَازِ دَفْعِهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ رَمْيِهِمْ كُلِّيَّةً لِتَعَلُّقِهَا بِبَيْضَةِ الْإِسْلَامِ لَا أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِبَعْضٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا وَجَبَ قَبُولُهُ عِنْدَ وُجُودِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ يَلْزَمُ الْإِخْلَالُ بِمَا هُوَ مَقْصُودٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute