لِمَا عُلِمَ مِنْ تَحْقِيقِ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فِي الزَّوَائِدِ وَالْعِتْقِ فِي الْمَوْقُوفِ فَلَا تَأْخِيرَ لِلْحُكْمِ عَنْهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَ الْحُكْمِ فِي السَّبَبِ فِي صُورَةِ الِاسْتِنَادِ مَمْنُوعٌ إذْ الْإِجَازَةُ وَغَيْرُهَا مُتَأَخِّرَةٌ حَقِيقَةً وَصُورَةً وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ فِي الزَّوَائِدِ وَالْعِتْقِ فِي الْمَوْقُوفِ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَلَكِنَّهُ إذَا ثَبَتَ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ وَإِنَّمَا تَحَقُّقُ الْأَحْكَامِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ بِطَرِيقِ التَّبْيِينِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّابِتِ بِهِ وَالثَّابِتِ بِالِاسْتِنَادِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالِاسْتِنَادِ مَا لَا يَكُونُ ثَابِتًا حَقِيقَةً وَشَرْعًا ثُمَّ يَثْبُتُ وَيَرْجِعُ إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَعَهُ حَقِيقَةً بَلْ يُوجِبُ خِلَافَ ذَلِكَ وَالثَّابِتُ بِطَرِيقِ التَّبْيِينِ ثَابِتٌ حَقِيقَةً مَعَ السَّبَبِ لَكِنَّهُ خَفِيٌّ فَيَنْظَهِرُ بَعْدَ زَمَانٍ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ حُكْمُ الِاسْتِنَادِ يَظْهَرُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْفَائِتِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ وَمَاتَ الْوَلَدُ ثُمَّ سَقَطَ الْخِيَارُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ الِاسْتِنَادِ فِي حَقِّ الْهَالِكِ حَتَّى لَا يَنْقُصَ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ التَّبْيِينِ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الِاسْتِنَادِ مُتَأَخِّرٌ حَقِيقَةً وَصُورَةً وَلَكِنَّهُ يَثْبُتُ تَقْدِيرًا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّرَاخِي هَذَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَرَاخَى لِمَانِعٍ عَلَى قَوْلِ مُجَوِّزِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُنْكِرِهِ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَيْهِ فَيُجَابُ بِمَا فِي التَّلْوِيحِ الْخِلَافُ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَلِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْصَافِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْأَحْكَامِ لَا فِي الْعِلَلِ الَّتِي هِيَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ كَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ انْتَهَى عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَوْ كَانَ فِي تَخْصِيصِهَا مُطْلَقًا لَكَانَ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُنْكِرَ يَقُولُ الْعِلَّةُ الْوَصْفُ الْمُدَّعَى عِلَّةً مَعَ خُلُوِّهِ عَنْ الْمَانِعِ حَتَّى يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَالْوَصْفُ مَعَ الْمَانِعِ جُزْءُ عِلَّةٍ وَالتَّخَلُّفُ عَنْ الْعِلَّةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مَعْنَى وَإِنَّمَا تَرَاخَى لِمَانِعٍ أَيْ إنَّمَا تَأَخَّرَ لِعَدَمِ تَمَامِ عِلَّتِهِ لِفَوَاتِ جُزْئِهَا وَهُوَ عَدَمُ الْمَانِعِ لِوُجُودِهِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ تَمَّتْ الْعِلَّةُ وَالْمُجِيزُ يَقُولُ الْخُلُوُّ عَنْ الْمَانِعِ لَيْسَ بِجُزْءِ عِلَّةٍ بَلْ الْوَصْفُ وَحْدَهُ هُوَ الْعِلَّةُ وَالتَّخَلُّفُ عَنْ حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ مُمْكِنٌ وَلَا يَظْهَرُ بِالتَّخَلُّفِ كَوْنُ الْوَصْفِ غَيْرَ عِلَّةٍ بَلْ هُوَ عِلَّةٌ حَقِيقَةً مَعَ التَّخَلُّفِ وَلَا إشْكَالَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (وَالْإِيجَابُ الْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ غَدًا لِوَضْعِهِ شَرْعًا لِحُكْمِهِ وَإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَتَأْثِيرِهِ فِيهِ.
(وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمُضَافِ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا (أَسْقَطَ التَّصَدُّقَ الْيَوْمَ مَا أَوْجَبَهُ قَوْلُهُ: عَلَيَّ التَّصَدُّقُ بِدِرْهَمٍ غَدًا) لِأَنَّهُ إذْ بَعْدَ انْعِقَاد سَبَبِهِ وَ (لَمْ يَلْزَمْهُ) التَّصَدُّقُ (فِي الْحَالِّ) لِتَرَاخِيهِ عَنْهُ إلَى الزَّمَانِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَنْهُ عِنْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ لَا مُسْتَنِدًا إلَى زَمَانِ الْإِيجَابِ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (النِّصَابُ) لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ عِلَّتُهُ اسْمًا لِوَضْعِهِ فِي الشَّرْعِ وَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ وَمَعْنًى لِتَأْثِيرِهِ فِيهِ لِأَنَّ النَّمَاءَ يُعْقَلُ تَأْثِيرُهُ فِي وُجُوبِ الْإِحْسَانِ إلَى الْغَيْرِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي النِّصَابِ لَا حُكْمًا لِتَرَاخِيهِ إلَى تَحَقُّقِ زَمَانِ النَّمَاءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّ لِهَذَا) أَيْ النِّصَابِ (شَبَهًا بِالسَّبَبِ لِتَرَاخِي حُكْمِهِ إلَى مَا يُشْبِهُ الْعِلَّةَ) مِنْ جِهَةِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ مَا يُشْبِهُ الْعِلَّةَ (النَّمَاءُ الَّذِي أُقِيمَ الْحَوْلُ الْمُمْكِنُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النَّمَاءِ (مُقَامَهُ) أَيْ النَّمَاءِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَالنَّمَاءُ فِي الْحَقِيقَةِ فَضْلٌ عَلَى الْغَنِيِّ مُوجِبٌ لِلْإِحْسَانِ كَأَصْلِ الْغَنِيِّ وَيَثْبُتُ فِيهِ الْيُسْرُ فِي الْوَاجِبِ وَيَزْدَادُ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِيهِ فَكَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْوُجُوبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَكَانَ شَبِيهًا بِعِلَّةِ الْوُجُوبِ (لَا) إلَى (الْعِلَّةِ وَإِلَّا) لَوْ كَانَ إلَى الْعِلَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ حَقِيقَةُ الْعِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ (تَمَحَّضَ) النِّصَابُ (سَبَبًا) لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الَّذِي يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَحِّضٍ سَبَبًا لَهُ لِأَنَّ النَّمَاءَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّكَاةِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ وَصْفٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فِي الْوُجُودِ ثُمَّ لَوْ فُرِضَ أَنَّ النَّمَاءَ حَقِيقَةُ الْعِلِّيَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ لَكَانَ لِلنِّصَابِ حَقِيقَةُ السَّبَبِيَّةِ كَمَا إذَا دَلَّ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَسَرَقَهُ فَإِنَّ الدَّلَالَةَ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ لَا يُشْبِهُ الْعِلَّةَ أَصْلًا فَإِذَا كَانَ لِلنَّمَاءِ شَبَهُ الْعِلِّيَّةِ كَانَ لِلنِّصَابِ شَبَهُ السَّبَبِيَّةِ لِأَنَّ تَوَسُّطَ حَقِيقَةِ الْعِلِّيَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ يُوجِبُ حَقِيقَةَ السَّبَبِيَّةِ فَتَوَسُّطُ شَبَهِ الْعِلِّيَّةِ يُوجِبُ شَبَهَ السَّبَبِيَّةِ ثُمَّ شَبَهُ النِّصَابِ غَالِبٌ عَلَى شَبَهِهِ بِالسَّبَبِ لِأَنَّ شَبَهَهُ بِالْعِلِّيَّةِ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ إذْ النِّصَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute