أَصْلٌ لِوَصْفِهِ وَشَبَهُهُ بِالسَّبَبِ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ تَوَقُّفِ حُكْمِهِ عَلَى النَّمَاءِ الَّذِي هُوَ وَصْفُهُ وَتَابِعٌ لَهُ.
وَالشَّبَهُ الْحَاصِلُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لِأَصَالَتِهِ رَاجِحٌ عَلَى الشَّبَهِ الْمُتَحَقِّقِ لَهُ مِنْ جِهَةِ وَصْفِ التَّابِعِ لَهُ إذْ الْحَاصِلُ بِالذَّاتِ لِأَصَالَتِهَا وَاسْتِقْلَالِهَا رَاجِحٌ عَلَى الْحَاصِلِ بِوَاسِطَةِ الْوَصْفِ التَّابِعِ الْغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ النِّصَابُ قَبْلَ الْحَوْلِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لَيْسَ فِيهِ شَبَهُ السَّبَبِ وَالْحَوْلُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَلِ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ تَيْسِيرًا كَالسَّفَرِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَلِهَذَا صَحَّ تَعْجِيلُهُ قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ وَصْفُ كَوْنِهِ حَوْلِيًّا مِنْ الْعِلِّيَّةِ لَمَا صَحَّ التَّعْجِيلُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ قَبْلَ تَمَامِ النِّصَابِ قُلْنَا لَوْ كَانَ النِّصَابُ عِلَّةً تَامَّةً لِوُجُوبِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ لَوَجَبَتْ بِاسْتِهْلَاكِهِ فِي الْحَوْلِ كَمَا فِيمَا بَعْدَهُ وَإِنَّمَا صَحَّ التَّعْجِيلُ لِأَنَّ النِّصَابَ لَمَّا كَانَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شَبَهِ الرَّاجِعَةِ بِاعْتِبَارِ النَّمَاءِ وَكَانَ هَذَا الْوَصْفُ غَيْرَ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْمَوْصُوفِ اسْتَنَدَ عِنْدَ ثُبُوتِهِ إلَى أَصْلِ النِّصَابِ فَصَارَ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ مُتَّصِفًا بِأَنَّهُ حَوْلِيٌّ وَاسْتَنَدَ الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ إلَى أَوَّلِهِ أَيْضًا فَصَحَّ التَّعْجِيلُ بِنَاءً عَلَى هَذَا لِوُقُوعِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْعِلِّيَّةِ تَقْدِيرًا وَبِهَذَا أَيْضًا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ قَبْلَ الْحَوْلِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْعِلِّيَّةِ لِأَنَّ وَصْفَ النَّمَاءِ كَالْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ عِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الْحَوْلِ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ نَعَمْ هَذَا الْمُعَجَّلُ إنَّمَا يَصِيرُ زَكَاةً إذَا انْقَضَى الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ وَصْفِ الْعِلِّيَّةِ أَوَّلَ الْحَوْلِ ثُمَّ اسْتِنَادِ وَصْفِهَا إلَى أَوَّلِهِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَالْحَوْلُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ وَيَصِيرُ الدَّيْنُ حَالًّا وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُزَكِّي فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ سَقَطَ الْوَاجِبُ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ تَرِكَتِهِ وَالْمَدْيُونُ يَمْلِكُ إسْقَاطَ الْأَجَلِ وَالْمُزَكِّي لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ الْحَوْلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ) إذْ هُوَ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْأُجْرَةِ اسْمًا لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَيْهِ وَمَعْنًى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِمَا (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهِ عِلَّةً لَهُ اسْمًا وَمَعْنًى (صَحَّ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ) قَبْلَ الْوُجُوبِ وَاشْتِرَاطُ تَعْجِيلِهَا كَمَا صَحَّ أَدَاءُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ (وَلَيْسَ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ (عِلَّةً حُكْمًا) لِلْمَنَافِعِ (لِعَدَمِ الْمَنَافِعِ) الَّتِي تُوجَدُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقْتَ عَقْدِهَا (وَ) عَدَمِ (ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا) أَيْ الْمَنَافِعِ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ.
(وَكَذَا) هُوَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا (فِي الْأُجْرَةِ) أَيْ لَا تُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَلَمَّا لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ فِي الْحَالِ فَكَذَا هِيَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الثُّبُوتِ كَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ عَقْدَ الْإِجَارَةِ (وُضِعَ لِمِلْكِهِمَا) أَيْ الْمَنَافِعِ وَالْأُجْرَةِ (وَ) هُوَ (الْمُؤَثِّرُ فِيهِمَا) أَيْ الْمَنَافِعِ وَالْأُجْرَةِ مِلْكًا كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَكَانَ التَّعَرُّضُ لِذِكْرِ هَذَا أَوَّلًا كَمَا ذَكَرْنَا أَوْلَى (وَيُشْبِهُ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ (السَّبَبَ لِمَا فِيهِ) أَيْ عَقْدِهَا (مِنْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ فِي حَقِّ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ إلَى مُقَارَنَتِهِ) أَيْ انْعِقَادِهَا (الِاسْتِيفَاءَ) لِلْمَنْفَعَةِ (إذْ لَا بَقَاءَ لَهَا) أَيْ لِلْمَنْفَعَةِ يَعْنِي الْإِجَارَةَ.
فَإِنْ صَحَّتْ فِي الْحَالِ بِإِقَامَةِ الْعَيْنِ مُقَامَ الْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنَّهَا فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ مُضَافَةٌ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ كَأَنَّهَا تَنْعَقِدُ حِينَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ لِيَقْتَرِنَ الِانْعِقَادُ بِالِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْإِجَارَةُ عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ (وَمِمَّا يُشْبِهُ السَّبَبَ) أَيْ وَمِنْ الْعِلَلِ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا الشَّبِيهَةُ بِالسَّبَبِ (مَرَضُ الْمَوْتِ) إذْ هُوَ (عِلَّةُ) اسْمًا وَمَعْنًى (الْحَجْرِ عَنْ التَّبَرُّعِ) بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمُحَابَاةِ وَنَحْوِهَا (لِحَقِّ الْوَارِثِ) أَيْ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَارِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَعْنِي (مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ وُضِعَ فِي الشَّرْعِ لِلتَّغْيِيرِ مِنْ الْإِطْلَاقِ إلَى الْحَجْرِ ثُمَّ الْحَجْرُ عَنْ هَذَا مُضَافٌ إلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ مُؤَثِّرٌ فِيهِ أَيْضًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ حَدِيثُ «سَعِيدٍ حَيْثُ قَالَ أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا قَالَ فَبِالنِّصْفِ قَالَ لَا قَالَ فَبِالثُّلُثِ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّكَ إنْ تَدَعْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيُشْبِهُ) مَرَضُ الْمَوْتِ (السَّبَبَ لِأَنَّ الْحُكْمَ) الَّذِي هُوَ الْحَجْرُ (يَثْبُتُ بِهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَرَضٌ مُمِيتٌ وَلَمَّا كَانَ) الْمَوْتُ (مُنْعَدِمًا فِي الْحَالِ لَمْ يَثْبُتْ الْحَجْرُ فَصَارَ الْمُتَبَرَّعُ بِهِ مِلْكًا) لِلْمُتَبَرَّعِ لَهُ (لِلْحَالِ) لِانْعِدَامِ الْمَانِعِ حِينَئِذٍ (فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَمْلِيكٍ) جَدِيدٍ (لَوْ بَرِئَ) لِاسْتِمْرَارِ الْمَانِعِ عَلَى الْعَدَمِ.
(وَإِذَا مَاتَ صَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute