فِيهِمَا (مَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْعَدَمِ لَفْظًا إذْ مِنْ الظَّاهِرِ (أَنَّهُ) أَيْ تَعْلِيلَهُمَا (لَيْسَ حَقِيقِيًّا وَإِضَافَتَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمَ الْخُمُسِ وَمُحَمَّدٍ عَدَمَ الضَّمَانِ (إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ وَلَيْسَ) ذَلِكَ (مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْعِلَّةِ) بِمَعْنَى الْبَاعِثِ (قَالُوا) أَيْ الْأَكْثَرُونَ (عُلِّلَ الضَّرْبُ بِعَدَمِ الِامْتِثَالِ) وَهُوَ عَدَمِيٌّ (وَالضَّرْبُ ثُبُوتِيٌّ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيمَا إذَا أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِفِعْلٍ وَلَمْ يَمْتَثِلْ فَضَرَبَهُ السَّيِّدُ إنَّمَا ضَرَبَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِ لَمَا صَحَّ هَذَا (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّعْلِيلَ إنَّمَا هُوَ (بِالْكَفِّ) أَيْ كَفِّ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عَنْ الِامْتِثَالِ وَهُوَ ثُبُوتِيٌّ (قَالُوا) أَيْ الْأَكْثَرُونَ أَيْضًا (مَعْرِفَةُ الْمُعْجِزِ) أَيْ كَوْنِ الْمُعْجِزِ مُعْجِزًا أَمْرٌ (ثُبُوتِيٌّ مُعَلَّلٌ بِالتَّحَدِّي) بِالْمُعْجِزَةِ (مَعَ انْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ) لَهَا بِمِثْلِهَا (وَهُوَ) أَيْ انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ (جُزْءُ الْعِلَّةِ) الْمُعَرِّفَةِ لِلْمُعْجِزَةِ لِأَنَّهَا الْإِتْيَانُ بِخَارِقٍ لِلْعَادَةِ مَعَ التَّحَدِّي وَانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ انْتِفَاءَ الْمُعَارِضِ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ وَمَا جُزْؤُهُ عَدَمٌ فَهُوَ عَدَمٌ فَبَطَلَ سَلْبُكُمْ الْكُلِّيَّ.
(وَكَذَا مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْمَدَارِ عِلَّةً) لِلدَّائِرِ (بِالدَّوَرَانِ) وَعَلَيْهِ الْمَدَارُ لِلدَّائِرِ وُجُودِيَّةً (وَجُزْؤُهُ) أَيْ الدَّوْرَانِ (عَدَمٌ) لِأَنَّ الدَّوَرَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ وَالْعَكْسُ عَدَمِيٌّ إذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوُجُودِ مَعَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ مَعَ الْعَدَمِ وَمَا جُزْؤُهُ عَدَمٌ فَهُوَ عَدَمٌ وَقَدْ عُلِّلَ بِهِ وُجُودِيٌّ فَبَطَلَ سَلْبُكُمْ الْكُلِّيَّ أَيْضًا (أُجِيبَ بِكَوْنِهِ) أَيْ الْعَدَمِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي مَعْرِفَةِ الْمُعْجِزِ وَعَلَيْهِ الدَّوَرَانُ (شَرْطًا) لَا جُزْءًا وَكَوْنُ الْعَكْسِ مُعْتَبَرًا فِي الدَّوْرَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَهُ فِي مَاهِيَّتِه لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ جُزْأَيْهِ وَهُوَ الطَّرْدُ عِلَّةً وَالْآخَرُ وَهُوَ الْعَكْسُ شَرْطًا فَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ الشَّرْطِ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُؤَثِّرَ الطَّرْدُ بِمُجَرَّدِهِ وَيُؤَثِّرُ مَعَهُ وَلَا بِدَعَ فِي جَوَازِ كَوْنِ شَرْطِ الثُّبُوتِيِّ عَدَمِيًّا (وَلَوْ سُلِّمَ كَوْنُ التَّحَدِّي لَا يَسْتَقِلُّ) عِلَّةً لِمَعْرِفَةِ الْمُعْجِزِ بِمَعْنَى أَنْ لَا يَكُونَ لِشَيْءٍ آخَرَ مُدْخَلٌ مَعَهُ فِي التَّعْرِيفِ (فَمُعَرِّفٌ) أَيْ فَهُوَ مُعَرِّفٌ لَهَا (وَالْكَلَامُ فِي الْعِلَّةِ بِمَعْنَى الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْحُكْمِ لَا بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْعِلَّةِ (عَلَى مَا لِجَمْعٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) الْكَرْخِيِّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَبِي زَيْدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمَا بَلْ حَكَاهُ فِي الْمِيزَانِ عَنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (أَنْ لَا تَكُونَ) الْعِلَّةُ (قَاصِرَةً) عَلَى الْأَصْلِ مُسْتَنْبَطَةً وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَشَايِخُنَا السَّمَرْقَنْدِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَالْبَاقِلَّانِيّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ إلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهَا وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَالْمُصَنِّفُ فَقَالَ (لَنَا) فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهَا (ظَنُّ كَوْنِ الْحُكْمِ لِأَجْلِهَا) أَيْ الْقَاصِرَةِ (لَا يَنْدَفِعُ) عَنْ النَّظَرِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ يَنْدَفِعُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الظَّنُّ (التَّعْلِيلُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى) صِحَّةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ (الْمَنْصُوصَةِ) أَيْ الثَّابِتَةِ بِالنَّصِّ وَعَلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُفِدْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا الظَّنَّ وَلَوْ كَانَ مَعْنَى التَّعْلِيلِ الْقَطْعَ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِأَجْلِهَا لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِهَا وَنَقْلُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْخِلَافَ فِيهِمَا أَيْضًا غَرِيبٌ ثُمَّ مِثَالُ الْقَاصِرَةِ (كَجَوْهَرِيَّةِ النَّقْدَيْنِ) أَيْ كَوْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جَوْهَرَيْنِ مُتَعَيِّنَيْنِ لِثَمَنِيَّةِ الْأَشْيَاءِ فِي تَعْلِيلِ حُرْمَةِ الرِّبَا فِيهِمَا فَإِنَّهُ وَصْفٌ قَاصِرٌ عَلَيْهِمَا (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) لِلْمُخْتَارِ (لَوْ تَوَقَّفَ صِحَّتُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (عَلَى تَعَدِّيهَا لَزِمَ الدَّوْرُ) لِتَوَقُّفِ تَعَدِّيهَا عَلَى صِحَّتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالدَّوْرُ بَاطِلٌ (فَدَوْرُ مَعِيَّةٍ) كَتَوَقُّفِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَضَايِفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ جَائِزٌ وَالْبَاطِلُ إنَّمَا هُوَ دَوْرُ التَّقَدُّمِ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا مُتَعَدِّيَةً لَا أَنَّ كَوْنَهَا مُتَعَدِّيَةً يَثْبُتُ أَوَّلًا ثُمَّ تَكُونُ عِلَّةً وَالْمُتَعَدِّيَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عِلَّةً لَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ عِلَّةً ثُمَّ عِلَّةً مُتَعَدِّيَةً.
(قَالُوا) أَيْ مَانِعُو صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ (لَا فَائِدَةَ) فِيهَا لِأَنَّ فَائِدَةَ الْعِلَّةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهَا وَهُوَ مُنْتَفٍ أَمَّا فِي الْأَصْلِ فَلِثُبُوتِهِ فِيهِ بِغَيْرِهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ.
وَأَمَّا فِي الْفَرْعِ فَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَ أَنْ لَا فَرْعَ وَإِثْبَاتُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَا يَصِحُّ شَرْعًا وَلَا عَقْلًا (أُجِيبَ بِمَنْعِ حَصْرِهَا) أَيْ الْفَائِدَةِ (فِي التَّعْدِيَةِ بَلْ مَعْرِفَةُ كَوْنِ الشَّرْعِيَّةِ) لِلْحُكْمِ (لَهَا) أَيْ لِلْعِلَّةِ فَائِدَةٌ أُخْرَى لَهَا (أَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute