لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ لَهَا (شَرْحٌ لِلصَّدْرِ بِالْحُكْمِ لِلِاطِّلَاعِ) عَلَى الْمُنَاسِبِ الْبَاعِثِ لَهُ فَإِنَّ الْقُلُوبَ إلَى قَبُولِ الْأَحْكَامِ الْمَعْقُولَةِ أَمْيَلُ مِنْهَا إلَى قَهْرِ التَّحَكُّمِ وَمَرَارَةِ التَّعَبُّدِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَا شَكَّ أَنَّهُ) أَيْ الْخِلَافَ (لَفْظِيٌّ فَقِيلَ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ بِاصْطِلَاحٍ) لِلْحَنَفِيَّةِ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقِيَاسِ بِاصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ فَالنَّافِي لِجَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ يُرِيدُ بِهِ الْقِيَاسَ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَحَدٍ بِدُونِ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْمُثْبِتُ لِجَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا يُرِيدُ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قِيَاسًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ أَيْضًا فَلَمْ يَتَوَارَدْ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ هَذَا يُشْكِلُ بِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تُفِيدُ أَنَّ مَوْرِدَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّعْلِيلُ الْكَائِنُ فِي الْقِيَاسِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عِلَّةِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي شُرُوطِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (وَأَرْكَانِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ الَّتِي مِنْهَا الْعِلَّةُ فَيَنْصَرِفُ إطْلَاقُ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ وَعَدَمِهِ إلَى مَا هُوَ الْعِلَّةُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَقَعْ هَذَا التَّعْلِيلُ مَوْقِعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ لَفْظِيًّا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ بَلْ هُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ التَّعْلِيلُ بِالْقَاصِرَةِ.
فَإِنْ قُلْت إنَّمَا يَصْلُحُ ذَلِكَ قَرِينَةً لِهَذَا لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ مُمْكِنًا مَعَ الْقَاصِرَةِ وَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ كَانَ عَدَمُ إمْكَانِهِ مَعَهَا صَارِفًا عَنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُعَارِضًا لِلْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ.
قُلْت فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ الْمُفِيدِ لَهَا بَلْ يَجِبُ سُقُوطُهُ وَقَوْلُهُ (وَإِلَّا فَلَهُمْ كَثِيرٌ مِثْلُهُ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ) كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيلُ هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْحَنَفِيَّةِ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُمْ مَنْعُ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِ الْحَجِّ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِمَا فِي الْحَجِّ إلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنْ الْأَشْوَاطِ وَكَأَنَّ سَبَبَهُ إظْهَارُ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ حَتَّى قَالُوا أَضْنَاهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبِمَا فِي غَيْرِ الْحَجِّ إلَى مِثْلِ تَعْلِيلِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا إذَا حَدَثَ لَهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ قَاصِرٌ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْفُرْقَةِ الطَّارِئَةِ عَلَى النِّكَاحِ بِهَذَا أَيْضًا فَإِنَّهُ قَاصِرٌ عَنْهُمَا أَيْضًا (لَكِنْ رُبَّمَا سَمُّوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ التَّعْلِيلَ بِالْقَاصِرَةِ (أَبَدًا حِكْمَةً لَا تَعْلِيلًا) كَأَنَّهُ تَمْيِيزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْلِيلِ بِالْمُتَعَدِّيَةِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ يَعْنِي وَحَمْلُ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ فَضْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ النُّبَلَاءِ عَلَى عَدَمِ التَّنَاقُضِ مَا أَمْكَنَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى التَّنَاقُضِ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا كَمَا ذَكَرْنَا فَيَتَعَيَّنُ هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي شَرْحِ هَذَا الْكَلَامِ وَيَتَلَخَّصُ مِنْهُ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ بِاصْطِلَاحٍ وَأَعَمُّ مِنْهُ بِآخَرَ فَيُحْمَلُ النَّفْيُ عَلَى الْقَوْلِ بِاتِّحَادِهِمَا وَالْإِثْبَاتُ عَلَى كَوْنِ التَّعْلِيلِ أَعَمَّ حَالَ كَوْنِهِ مُرَادًا بِهِ مَا لَيْسَ بِقِيَاسٍ وَهَذَا حَقٌّ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَا تَفِي الْعِبَارَةُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ ثَانِيًا أَفَادَ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ لَفْظِيًّا بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ خِلَافٌ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ لَفْظِيًّا وَأَنَّهُ ثَالِثًا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْقِيَاسَ لَمْ يَسْتَقِمْ لِمَانِعِيهِ بِالْقَاصِرَةِ مِنْهُمْ التَّعْلِيلُ بِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ حَقُّ التَّحْرِيرِ أَنْ يُقَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَعَمُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَالنَّافِي يُرِيدُ الْقِيَاسَ وَالْمُجِيزُ يُرِيدُ مَا لَيْسَ مِنْهُ بِقِيَاسٍ وَكِلَاهُمَا حَقٌّ إذْ لَا قِيَاسَ بِدُونِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إبْدَاءِ الْحِكْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ مَوَاقِعَ الْحُكْمِ كُلَّهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَجَعْلُهُ) أَيْ الْخِلَافِ (حَقِيقِيًّا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّأْثِيرِ) فِي التَّعْلِيلِ (أَوْ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِخَالَةِ) فِيهِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ اشْتِرَاطُ التَّأْثِيرِ فِيهِ كَمَا عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ (تَلْزَمُ التَّعْدِيَةُ) وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِخَالَةِ كَمَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ لَا تَلْزَمُ التَّعْدِيَةُ وَطَوَاهُ لِدَلَالَةِ مُقَابِلِهِ عَلَيْهِ وَخَصَّهُ بِالطَّيِّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ لِإِفَادَةِ تَعَقُّبِهِ وَالْجَاعِلُ: صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (غَلِطَ إذْ لَا يَلْزَمُ فِيهِ) أَيْ التَّأْثِيرِ (وُجُودُ عَيْنِ عِلَّةٍ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فِي) مَحَلٍّ (آخَرَ يَكُونُ فَرْعًا لِلِاكْتِفَاءِ بِجِنْسِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عِلَّةً (فِي)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute