للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(غَيْرُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (وَكَوْنُهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ هِيَ (الْمَقْصُودَةُ) مِنْ الْعِلَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا عَسَرَ ضَبْطُهَا لِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَلَيْسَ كُلُّ قَدْرٍ مِنْهَا يُوجِبُ التَّرَخُّصَ وَتَعْيِينُ الْقَدْرِ الَّذِي يُوجِبُهُ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ وَانْضِبَاطِهِ ضُبِطَتْ بِالْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ السَّفَرُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ (فَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ وَفَاعِلُ يَبْطُلُ (مَا لَمْ يُعْتَبَرْ إلَّا لَهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ وَهُوَ عِلِّيَّةُ السَّفَرِ (إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ اُعْتُبِرَ مُطْلَقُهَا) أَيْ الْمَشَقَّةُ.

(وَهُوَ) أَيْ اعْتِبَارُ مُطْلَقِهَا (مُنْتَفٍ بِالصَّنْعَةِ) الشَّاقَّةِ لِأَنَّ غَيْرَ السَّفَرِ مِنْ الصَّنَائِعِ الشَّاقَّةِ مَعْلُومٌ فِيهَا انْتِفَاءُ التَّرَخُّصِ بِالْقَصْرِ (فَالْحِكْمَةُ الَّتِي هِيَ الْعِلَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ مَشَقَّةُ السَّفَرِ وَلَمْ يُعْلَمْ مُسَاوَاتُهَا) الْعِلَّةَ (الْمَنْقُوضَةَ) وَهِيَ مَشَقَّةُ الصَّنْعَةِ الشَّاقَّةِ فِي الْحَضَرِ (وَلَوْ فُرِضَ الْعِلْمُ بِرُجْحَانِ الْمَنْقُوضَةِ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُ بُطْلَانُ الْعِلَّةِ) فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (إلَّا أَنَّ شَرْعَ حُكْمٍ) آخَرَ هُوَ (أَلْيَقُ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْحِكْمَةِ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَالْبُطْلَانُ فِي صُورَةٍ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْعِلِّيَّةِ وَصَلَاحِ الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مَقِيسًا عَلَيْهِ (كَالْقَطْعِ بِالْقَطْعِ) أَيْ كَقَطْعِ الْيَدِ بِقَطْعِ الْيَدِ شُرِعَ (لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ) لِلْمُكَلَّفِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ (تَخَلَّفَ) الْقَطْعُ (فِي الْقَتْلِ) الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ مَعَ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ أَزْيَدُ مِمَّا لَوْ قُطِعَ (لِشَرْعِ مَا هُوَ أَنْسَبُ بِهِ) أَيْ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ (وَهُوَ) أَيْ مَا هُوَ أَنْسَبُ بِهِ مِنْ الْقَطْعِ (الْقَتْلُ) إذْ الْقَتْلُ أَكْثَرُ عُدْوَانًا مِنْ الْقَطْعِ فَيَلِيقُ بِالزَّجْرِ عَنْهُ حُكْمٌ يَحْصُلُ بِهِ زَجْرٌ أَكْثَرُ مِنْ زَجْرِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ الْحُكْمُ أَمْرٌ يَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَزِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَشُرِعَ الْقَتْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِيَكُونَ زَائِدًا عَلَى الْقَطْعِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ سِوَى إبْطَالِ الْيَدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَتْلُ أَقْوَى افْتَقَرَ إلَى زَجْرٍ أَقْوَى فَشُرِعَ زَاجِرٌ أَقْوَى وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ حِكْمَةِ الزَّجْرِ بَلْ قُوَّةُ اعْتِبَارِهِ.

(وَأَنْتَ إذْ عَلِمْت أَنَّ الْحِكْمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ) لِعُسْرِ ضَبْطِهَا وَتَعَذُّرِ تَعَيُّنِ الْقَدْرِ الَّذِي تُوجِبُهُ (ضُبِطَتْ شَرْعًا) بِمَظِنَّةٍ خَاصَّةٍ وَهُوَ الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ (لَمْ تَكَدْ تَقِفُ عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّ التَّخَلُّفَ) لِلْحُكْمِ (عَنْ مِثْلِهَا أَوْ أَكْبَرَ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ ضَابِطِهَا) وَلَوْ كَانَ عَدَمُ دُخُولِهِ (بِلَا مَانِعٍ) لَا يَنْقُضُ عِلِّيَّتَهَا خُصُوصًا إذَا (كَانَتْ مُومًى إلَيْهَا) أَيْضًا مِثْلُ {أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [البقرة: ١٨٤] لِأَنَّ الْحِكْمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعًا مِثْلًا مَشَقَّةُ السَّفَرِ بِخُصُوصِهِ (أَلَّا يُرَى أَنَّ الْبَكَارَةَ عِلِّيَّةُ الِاكْتِفَاءِ فِي الْإِذْنِ) أَيْ فِي إذْنِ الْحُرَّةِ الْبِكْرِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ لِوَلِيِّهَا أَوْ رَسُولِهِ فِي نِكَاحِهَا (بِالسُّكُوتِ) فِي النِّكَاحِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْهَا (لِحِكْمَةِ الْحَيَاءِ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ «عَنْ عَائِشَةَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَسْنَا مِنْ النِّسَاءِ قَالَ نَعَمْ قُلْت إنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي فَتَسْكُتُ قَالَ سُكُوتُهَا إذْنُهَا» (وَلَوْ فُرِضَ ثَيِّبٌ أَوْفَرُ حَيَاءً) مِنْهَا (أَوْ سَبَبٌ اقْتَضَاهُ) أَيْ حَيَاءً أَوْفَرَ مِنْ حَيَائِهَا (كَزِنًا اُشْتُهِرَ لَمْ يُكْتَفَ بِسُكُوتِهَا إجْمَاعًا) وَإِنْ ثَبَتَ قَدْرٌ مِنْ الْحِكْمَةِ وَهُوَ الْحَيَاءُ فِي هَاتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ حِكْمَةِ الْبَكَارَةِ وَهُوَ حَيَاؤُهَا (فَتَخَلَّفَ) الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الِاكْتِفَاءُ فِي الْإِذْنِ بِالسُّكُوتِ فِيهِمَا مَعَ وُجُودِ حِكْمَةٍ تَفُوقُ حِكْمَةَ الْبَكَارَةِ (وَلَمْ تَبْطُلْ عِلِّيَّةُ الْبَكَارَةِ) لِلِاكْتِفَاءِ بِالسُّكُوتِ (وَمَا ذَاكَ) أَيْ عَدَمُ بُطْلَانِ عِلِّيَّتِهَا (إلَّا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ حَيْثُ ضُبِطَتْ بِالْبَكَارَةِ كَانَتْ الْعِلَّةُ بِالْحَقِيقَةِ حَيَاءَ الْبِكْرِ فَلَمْ يَلْزَمْ فِي حَيَاءٍ فَوْقَهُ) أَيْ حَيَاءِ الْبِكْرِ (ثُبُوتُ الْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالسُّكُوتِ فِي ذَلِكَ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ حَيَاءٍ فَوْقَهُ (لِعَدَمِ دَلِيلِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (بِخُصُوصِهِ) وَهُوَ الْمَجْعُولُ ضَابِطًا (فَلَا تُنْتَقَضُ الْعِلَّةُ بِنَقْضِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ. وَأَمَّا النَّقْضُ الْمَكْسُورُ وَهُوَ نَقْضُ بَعْضِ)

الْعِلَّةِ (الْمُرَكَّبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ اسْتِقْلَالِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَنْقُوضِ (بِالْحِكْمَةِ) حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ الْحِكْمَةُ الْمُعْتَبَرَةُ تَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْبَعْضِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْمَحَلِّ وَلَمْ يُوجَدْ الْحُكْمُ فِيهِ وَهُوَ نَقْضٌ لِمَا ادَّعَاهُ عِلِّيَّةً بِاعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ (كَمَا لَوْ قَالَ) الشَّافِعِيُّ (فِي مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ) هُوَ بَيْعٌ (مَجْهُولُ الصِّفَةِ) عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) (كَبَيْعِ عَبْدٍ بِلَا تَعْيِينٍ) لَهُ وَالْجَامِعُ الْجَهْلُ بِصِفَةِ الْمَبِيعِ (فَنَقَضَ) الْمُعْتَرِضُ (الْمَجْهُولِيَّةَ بِتَزَوُّجِ مَنْ لَمْ يَرَهَا) فَإِنَّهَا مَجْهُولَةُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ (مَعَ الصِّحَّةِ) لِتَزَوُّجِهَا إجْمَاعًا (وَحَذْفِ الْمَبِيعِ) فَاخْتُلِفَ فِي إبْطَالِهِ لِلْعِلِّيَّةِ قِيلَ يُبْطِلُهَا (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ (لَا يَمْنَعُ) الْعِلِّيَّةَ (لِأَنَّهَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>