للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّكْنِ.

(وَالْمَانِعُ) تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ يَقُولُ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ (لِعَدَمِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ فِيهِ (حُكْمًا لِأَنَّ فِعْلَ النَّاسِي نُسِبَ إلَى مُسْتَحِقِّ الصَّوْمِ) وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك» فَكَانَ أَكْلُهُ كَلَا أَكْلٍ فَبَقِيَ الرُّكْنُ حُكْمًا وَ) الصَّائِمُ النَّائِمُ (الْمَصْبُوبُ فِي فِيهِ) الْمَاءُ (لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ) أَيْ الصَّائِمِ النَّاسِي (إذْ لَيْسَ) فِعْلُهُ الْمُفَوِّتُ لِلرُّكْنِ (مُضَافًا إلَى الْمُسْتَحِقِّ) لِلصَّوْمِ (فَلَمْ يَسْقُطْ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ السَّاقِطِ فِي حَلْقِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (نَائِمًا) مَاءُ (مَطَرٍ) لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ (كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ) لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ شُرْبِ النَّاسِي لِعَدَمِ إضَافَتِهِ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي حَلْقِ الْمُسْتَيْقِظِ مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِلضَّرُورَةِ فَمَا الظَّنُّ بِهَذَا نَعَمْ آخَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَفْسُدُ فِي هَذِهِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِإِمْكَانِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ بِأَنْ يَأْوِيَ إلَى خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ فَيَنْقَدِحُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ فِيمَا نَحْنُ فِيهَا إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنَامَ مَسْتُورًا بِمَا يَمْنَعُ دُخُولَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمُسْتَوْضِحِ بِهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ بِأَنْ كَانَ سَائِرًا فِي فَلَاةٍ وَلَا خَيْمَةَ وَلَا سَقْفَ أَوْ ثَمَّ أَحَدُهُمَا وَهُوَ بِحَيْثُ يُمْنَعُ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْسُدَ حِينَئِذٍ كَقَوْلِ الْمَاضِينَ ثُمَّ كَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ لَا يَفْسُدُ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِشَيْءٍ وَقَالُوا إنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِأَنْ يَكُونَ إثَارَةُ الْغُبَارِ مِنْ تَعَاطِيهِ أَوْ بِدُنُوِّهِ.

فَإِنْ تَمَّ إطْلَاقَ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيهِ مَعَ هَذَا تَمَّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُ النَّائِمِ السَّاقِطِ فِي حَلْقِهِ مَاءُ مَطَرٍ مُطْلَقًا وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ خَاضَ الْمَاءَ فَدَخَلَ أُذُنَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ صُبَّ الْمَاءُ فِي أُذُنِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ انْتَهَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَوْضَ الْمَاءِ قَدْ يَكُونُ لَهُ عَنْهُ بُدٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ) أَيْ مَا يُسَمَّى عِلَّةً فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ (غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ) مِنْ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ فَإِنَّ عَدَمَ الرُّكْنِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ (فَظَهَرَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَانِعِ) مِنْ فَسَادِ صَوْمِ النَّاسِي (الْإِضَافَةُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ) وَبِهَذَا يَظْهَرُ عَدَمُ إلْحَاقِ الشَّارِبِ نَائِمًا بِالشَّارِبِ نَاسِيًا فَإِنَّ فِي الْمُنْتَقَى يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشْفِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ رَاجِعٌ إلَى الْعِبَارَةِ فِي التَّحْقِيقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ وَفِي مَوْضِعِ التَّخَلُّفِ الْحُكْمُ مَعْدُومٌ بِلَا شُبْهَةٍ إلَّا أَنَّ الْعَدَمَ مُضَافٌ إلَى الْمَانِعِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظِيٍّ بَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ فَيَمْتَنِعُ إنْ قُدِحَ التَّخَلُّفُ وَإِلَّا فَلَا وَنُسِبَ إلَى السَّهْوِ وَفِي هَذَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي تَخَلُّفِ الْعِلَّةِ عَنْ الْحُكْمِ وَالْكَلَامُ فِي عَكْسِ ذَلِكَ وَثَانِيًا الْخِلَافُ فِي انْقِطَاعِ الْمُسْتَدِلِّ فَإِنَّ النَّقْضَ مِنْ عَظَائِمِ أَبْوَابِ الْجَدَلِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ انْقِطَاعُ الْخَصْمِ فَالْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّخْصِيصِ يَقُولُونَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت الْعِلِّيَّةَ فِي غَيْرِ مَا حَصَلَ فِيهِ التَّخَلُّفُ أَوْ هَذِهِ مِنْ الْبَعْضِ الَّذِي لَا يَلْزَمُنِي الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا نَسْمَعُ هَذَا مِنْك فَإِنَّ كَلَامَك مُطْلَقٌ وَأَنْتَ بِسَبِيلٍ مِنْ الِاحْتِرَازِ فَلِمَ لَا احْتَرَزْت.

وَثَالِثًا الْخِلَافُ فِي انْخِرَامِ الْمُنَاسِبَةِ بِمُفْسِدَةٍ تَلْزَمُ رَاجِحَةً أَوْ مُسَاوِيَةً فَيَحْصُلُ إنْ قُدِحَ التَّخَلُّفُ عَلَى قَوْلِ الْمَانِعِينَ وَلَا يَحْصُلُ عَلَى قَوْلِ الْمُجَوِّزِينَ وَإِنَّمَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ كَمَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ (وَأَمَّا نَقْضُ الْحِكْمَةِ فَقَطْ بِأَنْ تُوجَدَ الْحِكْمَةُ دُونَ الْعِلَّةِ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحِكْمَةِ (فِي مَحَلٍّ وَلَمْ يُوجَدْ الْحُكْمُ وَيُسَمَّى كَسْرًا بِاصْطِلَاحٍ فَشُرِطَ عَدَمُهُ لِصِحَّةِ الْعِلَّةِ وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيِّ وَعَزَاهُ إلَى الْأَكْثَرِينَ (نَفْيُهُ) أَيْ شَرْطِ عَدَمِهِ (فَلَوْ قَالَ) قَائِلٌ لِلْقَائِلِ بِأَنَّ عِلَّةَ التَّرَخُّصِ بِالْقَصْرِ لِلْمُسَافِرِ كَائِنًا مَنْ كَانَ هِيَ السَّفَرُ (لَا تَصِحُّ عِلِّيَّة السَّفَرِ) لِلتَّرَخُّصِ الْمَذْكُورِ (لِانْتِقَاضِ حِكْمَتِهَا الْمَشَقَّةِ بِصَنْعَةٍ شَاقَّةٍ) كَحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَضَرْبِ الْمَعَاوِلِ وَمَا يُوجِبُ قُرْبَ النَّارِ فِي ظَهِيرَةِ الْقَيْظِ فِي الْقُطْرِ الْحَارِّ (فِي الْحَضَرِ) لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ الصَّنْعَةُ الشَّاقَّةُ بِدُونِ عِلَّتِهَا الَّتِي هِيَ السَّفَرُ وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ وَهُوَ رُخْصَةُ الْقَصْرِ (لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّهَا) أَيْ الْحِكْمَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>