للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا أَرَادَ وَيَحْكُمُ بِمَا شَاءَ وَلِهَذَا صَرَفَ عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ سَعْيَهُمْ إلَى الْبَحْثِ عَنْ الْمَعَانِي الْمُخَيَّلَةِ الْمُؤْثِرَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا مِنْ الْحَنَفِيِّ دَفْعٌ وَقَوْلُهُ مِنْ مُنَاسَبَةٍ أَيْ الْمُنَاسِبُ الْمَقْبُولُ إجْمَاعًا وَهُوَ) الْمُنَاسِبُ (الضَّرُورِيُّ أَوْ الْمَصْلَحِيُّ لَا) مِنْ (الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّافِعِيَّ (لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُثْبِتَ طَرِيقًا لِلْعِلِّيَّةِ لَا يَجِبُ فِيهَا ظُهُورُ الْمُنَاسَبَةِ كَالسَّبْرِ وَالدَّوَرَانِ شَرَطَهَا) أَيْ الشَّافِعِيُّ الْمُنَاسَبَةَ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ) أَيْ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ (يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقَدْ يُخْتَلَفُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِهَا بَيْنَهُمَا (كَمَا فِي الدَّوَرَانِ وَقِيلَ مَنْشَأُ الْخِلَافِ فِيهِ) أَيْ فِي إفَادَةِ الدَّوَرَانِ الْعِلِّيَّةَ (عَدَمُ أَخْذِ قَيْدِ صَلَاحِيَّةِ الْوَصْفِ) لِلْعِلِّيَّةِ.

(أَمَّا مَعَهُ) أَيْ صُلُوحِ الْوَصْفِ لِلْعِلِّيَّةِ وَقَدْ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وُجُودًا وَعَدَمًا (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْقَيْدَ (مُرَادٌ) لِمَنْ قَالَ الدَّوَرَانُ مُفِيدٌ لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ كَمَا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ (فَلَا خَفَاءَ فِي حُصُولِ ظَنِّ عَلِيَّتِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (بِالدَّوَرَانِ بِخِلَافِ مَا) إذَا (لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهِ) أَيْ الْوَصْفِ (مُنَاسَبَةٌ كَالرَّائِحَةِ) أَيْ رَائِحَةِ الْمُسْكِرِ الْمَخْصُوصَةِ (لِلتَّحْرِيمِ) لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ عِلِّيَّتُهَا لَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُعْلَمَ بِهِ وَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا الشَّبَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَلَيْسَ مِنْ الْمَسَالِكِ) لِلْعِلَّةِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَسَالِكَ هِيَ (الْمُثْبِتَةُ لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ) لِلْحُكْمِ (وَالشَّبَهُ تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهُ بِهَا) أَيْ بِالْمَسَالِكِ ثُمَّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَتَحَرَّرُ فِي الشَّبَهِ عِبَارَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ فِي صِنَاعَةِ الْحُدُودِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَقَدْ تَكَاثَرَ التَّشَاجُرُ فِي تَعْرِيفِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَلَمْ أَجِدْ لِأَحَدٍ تَعْرِيفًا صَحِيحًا فِيهَا ثُمَّ هُوَ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ (وَالْمُرَادُ) بِهِ هُنَا (مَا) أَيْ وَصْفُ (مُنَاسَبَتُهُ) لِلْحُكْمِ (لَيْسَتْ بِذَاتِهِ) أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِ الْوَصْفِ (بَلْ) مُنَاسَبَتُهُ لِلْحُكْمِ (يُشْبِهُهُ) الْوَصْفَ الْمُنَاسِبَ لِذَاتِهِ الشَّبَهُ الْخَاصُّ وَإِلَّا فَكَمَا قِيلَ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ إلَّا وَهُوَ يُشْبِهُ شَيْئًا آخَرَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْمَحْصُولِ الْمُعْتَبَرُ حُصُولُ الْمُشَابَهَةِ فِيمَا يُظَنُّ كَوْنُهُ عِلَّةَ الْحُكْمِ أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُشَابَهَةُ فِي الصُّورَةِ أَوْ الْمَعْنَى وَذَلِكَ كَالطَّهَارَةِ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تُنَاسِبُهُ بِوَاسِطَةِ عِبَادَةٍ بِخِلَافِ الْإِسْكَارِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لَهَا بِالذَّاتِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْعَقْلُ مُنَاسَبَتَهُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ شَرْعًا (فَيُحْتَاجُ) فِي إثْبَاتِ عِلِّيَّتِهِ (إلَى الْمُثْبِتِ) لَهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ فِي تَعْرِيفِهِ وَصْفٌ لَمْ تَثْبُتْ مُنَاسَبَتُهُ لِلْحُكْمِ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ (فَلَا يَصِحُّ إنْكَارُهُ) أَيْ الشَّبَهِ (بَعْدَ إثْبَاتِهِ) أَيْ كَوْنِهِ عَلِمَهُ (غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْإِخَالَةِ) بَلْ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ السَّبْرِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ (وَإِلَّا) لَوْ ثَبَتَ بِالْإِخَالَةِ أَيْضًا (كَانَ) الشَّبَهَ (الْمُنَاسِبَ الْمَشْهُورَ) وَلَيْسَ إيَّاهُ بَلْ بَيْنَهُمَا تَقَابُلٌ (كَطَهَارَةٍ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ) .

أَيْ مِثَالُهُ أَنْ يُقَالَ فِي إلْحَاقِ إزَالَةِ الْخَبَثِ بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ فِي تَعَيُّنِ الْمَاءِ لَهَا: إزَالَةُ الْخَبَثِ طَهَارَةٌ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ (فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا غَيْرُ الْمَاءِ كَالْوُضُوءِ) فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ غَيْرُ الْمَاءِ فَكَوْنُ كُلٌّ مِنْهُمَا طَهَارَةً تُرَادُ لِلصَّلَاةِ هُوَ الْوَصْفُ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا لِتَعَيُّنِ الْمَاءِ لَهُمَا وَهُوَ وَصْفٌ شَبَهِيٌّ لَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ لِتَعَيُّنِ الْمَاءِ فِي إزَالَةِ الْخَبَثِ.

(فَإِنْ ثَبَتَ بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي إثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ (أَنَّ كَوْنَ الطَّهَارَةِ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ يَصِحُّ عِلَّةَ تَعَيُّنِ الْمَاءِ) فِي إزَالَةِ الْخَبَثِ (لَزِمَ) كَوْنُهُ عِلَّةً لِذَلِكَ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَثْبُتْ صِحَّةُ كَوْنِهِ عِلَّةَ تَعَيُّنِهِ بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ تَعَيُّنُ الْمَاءِ (مُجَرَّدُ اعْتِبَارِهِ) أَيْ تَعَيُّنِ الْمَاءِ (فِي الْحَدَثِ وَعَلَى هَذَا) أَيْ أَنَّ الْوَصْفَ الشَّبَهِيَّ إنَّمَا يَثْبُتُ عِلَّةً بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ الْمَذْكُورَةِ (فَمَرْجِعُهُ) أَيْ الشَّبَهِ (إلَى إثْبَاتِ عِلِّيَّةِ وَصْفٍ بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ وَلَيْسَ شَيْئًا آخَرَ) فَيَنْتَفِي تَصْرِيحُ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ لَكِنْ قَوْلُ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ إنَّ الْقَائِلِينَ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ الْمُثْبِتَ لِمُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ الشَّبَهِيِّ لِلْحُكْمِ وَهُوَ الدَّلِيلُ الْخَارِجُ عَنْ ذَاتِهِ هُوَ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ إيَّاهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ وُجُودِهِ فِيهِ فَيُوهِمُ كَوْنُهُ مُنَاسِبًا لَهُ لَا النَّصُّ وَلَا الْإِجْمَاعُ وَلَا التَّأْثِيرُ الْمَاضِي بَيَانُهُ.

قَالُوا وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ قَبُولُهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْبَاقِلَّانِيُّ وَالصَّيْرَفِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>