وَالْمُؤْنَةُ فَخَرَجَ الصَّغِيرُ الَّذِي لَهُ مَالٌ تَجِب نَفَقَتُهُ فِيهِ لِانْعِدَامِ الْمُؤْنَةِ عَلَى غَيْرِهِ فِي حَقِّهِ حَتَّى الْأَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ وُجِدَتْ الْوِلَايَةُ الْمُطْلَقَةُ لِلْأَبِ عَلَيْهِ وَالِابْنُ الْبَالِغُ الزَّمِنُ الْمُعْسِرُ وَالْمَرْأَةُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ الْمُطْلَقَةِ لِلْأَبِ وَالزَّوْجِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ وُجِدَتْ الْمُؤْنَةُ لَهُمَا عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ الرَّأْسَ الْمَذْكُورَ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ الْحَدِيثِ وَيَبْقَى بَعْدَهُ عِلَاوَةً إضَافَةُ الصَّدَقَةِ إلَى الرَّأْسِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ
زَكَاةُ رُءُوسِ النَّاسِ ضَحْوَةَ فِطْرِهِمْ ... بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَاعٌ مِنْ الْبُرِّ
لِأَنَّهَا دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ فَلَا يَضُرُّ فِي الْمَطْلُوبِ أَنَّ تَمَامَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِهِ مَسْمُوعًا مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِوَضْعِهِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ أَوْ صِحَّةِ مَا قَالُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالْإِضَافَةُ إلَى الْفِطْرِ الشَّرْطُ) لِوُجُوبِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْفِطْرِ (مَجَازٌ) لِأَنَّهُ زَمَانُ الْوُجُوبِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الشَّرْطِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُلَابَسَةِ (بِدَلِيلِ التَّعَدُّدِ) لِوُجُوبِهَا (بِتَعَدُّدِ الرَّأْسِ) تَقْدِيرًا لِأَنَّ الرَّأْسَ لَمَّا صَارَ سَبَبًا بِوَصْفِ الْمُؤْنَةِ وَهِيَ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ كَانَ الرَّأْسُ لِتَجَدُّدِهَا مُتَجَدِّدًا تَقْدِيرًا كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي النِّصَابِ لِلزَّكَاةِ لَا إنْ تَكَرَّرَ الْوَاجِبُ بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ مَعَ اتِّحَادِ الرَّأْسِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ سَبَبِيَّةُ الْوَقْتِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ فِي هَذَا مَا فِيهِ.
وَالْأَظْهَرُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» ) كَذَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ وَتَقَدَّمَ فِي تَقْسِيمِ مُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيَّ رَوَيَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ» فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَفَادَ) بِهَذَا (تَعَلُّقَهَا) أَيْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِالْمَأْمُورِينَ بِهَا مِنْ الْأَبِ وَالْمَوْلَى بِسَبَبِ الْمُشَارِ إلَيْهِمْ (بِالْمُؤَنِ) أَيْ بِسَبَبِ وُجُوبِ مُؤْنَتِهِمْ عَلَى الْمَأْمُورِينَ بِهَا حَتَّى كَأَنَّ الْمَعْنَى تَحَمَّلُوا هَذِهِ الصَّدَقَةَ بِسَبَبِ مَنْ وَجَبَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْكُمْ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْمُؤَنِ رَأْسٌ يَلِي عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ دُونَ الْوَقْتِ إذْ الرَّأْسُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى الْمُؤْنَةِ دُونَ الْوَقْتِ وَكَيْفَ لَا وَمُؤْنَةُ الشَّيْءِ سَبَبٌ لِبَقَائِهِ وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الرَّأْسِ دُونَ الْوَقْتِ فَيَتَلَخَّصُ مِنْهُ أَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ هَؤُلَاءِ وَالْقَطْعُ مَعَ جِهَةِ الشَّرْعِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَمَّنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي مُؤْنَتِهِ وَوِلَايَتِهِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إجْمَاعًا عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ عَبْدِ غَيْرِهِ وَوَلَدِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ عَلَيْهِ وَمَانَهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ بِسَبَبِ غَيْرِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَزِمَ أَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ نَعَمْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ السَّبَبِ فِي الْجَدِّ إذَا كَانَتْ نَوَافِلُهُ صِغَارًا فِي عِيَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ عَنْهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّهُ يُمَوِّنُهُمْ وَيَلِي عَلَيْهِمْ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ صَدَقَةَ فِطْرِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْحَقِيقِيِّ) أَيْ بِالنَّمَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ النَّمَاءُ لَهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْعُشْرَ اسْمٌ (إضَافِيٌّ) إذْ هُوَ اسْمٌ لِوَاحِدٍ مِنْ عَشَرَةٍ فَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خَارِجُهُ لَا يَتَحَقَّقُ عُشْرُهُ وَهُوَ (عِبَادَةٌ) أَيْ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ (بِخِلَافِ الْخَرَاجِ) الْمُوَظَّفِ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ (بِالتَّقْدِيرِيِّ) أَيْ بِالنَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ (وَهُوَ) أَيْ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ (بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ) وَالِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْخَارِجِ إذْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالدَّرَاهِمِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْخَارِجِ (فَكَانَ) الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ (عُقُوبَةً) لِمَا فِي الِاشْتِغَالِ بِتَحْصِيلِهِ بِالزِّرَاعَةِ مِنْ عِمَارَةِ الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْجِهَادِ وَهُوَ سَبَبُ الْمَذَلَّةِ (مُؤْنَةً لَهَا) أَيْ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِبَقَائِهَا فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ (فَلَزِمَا) أَيْ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ (فِي مَمْلُوكَةِ الصَّبِيِّ) أَيْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ وَالْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ فَيَجِبُ فِيهِمَا الْعُشْرُ إنْ كَانَتَا عُشْرِيَّتَيْنِ وَالْخَرَاجُ إنْ كَانَتَا خَرَاجِيَّتَيْنِ لِوُجُودِ سَبَبِهِمَا فِيهِمَا (وَلَمْ يَجْتَمِعَا) أَيْ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ (فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ) عِنْدَ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ ذَاتًا لِأَنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْخَرَاجُ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute