الْعُقُوبَةِ، وَمَحَلًّا فَإِنَّ الْعُشْرَ فِي الْخَارِجِ وَالْخَرَاجُ فِي الذِّمَّةِ، وَسَبَبًا لِأَنَّ سَبَبَ الْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا وَسَبَبَ الْخَرَاجِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ تَقْدِيرًا بِهِ، وَمَصْرِفًا إذْ مَصْرِفُ الْعُشْرِ الْفُقَرَاءُ وَمَصْرِفُ الْخَرَاجِ الْمُقَاتِلَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَ السَّبَبَانِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ فَيَجِبَانِ كَوُجُوبِ الدَّيْنِ مَعَ أَحَدِهِمَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا ذَاتًا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَهُمَا فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ سَبَبَهُمَا مُتَعَدِّدٌ بَلْ هُوَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ النَّمَاءُ فِي الْعُشْرِ تَحْقِيقًا وَفِي الْخَرَاجِ تَقْدِيرًا وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَيْهَا فَيُقَالُ خَرَاجُ الْأَرْضِ وَعُشْرُ الْأَرْضِ وَإِذَا كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا كَانَ الْمُسَبَّبُ أَحَدَهُمَا مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ بَيْنَهُمَا كَالدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ اتِّحَادَ السَّبَبِ يُوجِبُ اتِّحَادَ الْحُكْمِ.
(وَقَدْ يُقَالُ جَازَ) أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ (الْوَاحِدُ سَبَبًا لِمُتَعَدِّدٍ) مِنْ الْأَحْكَامِ (كَالْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ) أَيْ كَمَا جَازَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ الْوَاحِدَةُ عِلَّةً لِمُتَعَدِّدٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالزِّنَا فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِلتَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ كَمَا تَقَدَّمَ (وَيُجَابُ بِأَنَّ) الْجَوَازَ الْمَذْكُورَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ جِهَتَيْ الْحُكْمِ تَنَافٍ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ (جِهَتَيْهِمَا) أَيْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ (مُتَنَافِيَةٌ) وَالْوَجْهُ مُتَنَافِيَتَانِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْجِهَةَ (فِي إحْدَاهُمَا) أَيْ أَرْضَيْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ (أَمَّا) أَرْضٌ تُسْقَى (بِمَاءٍ خَاصٍّ) وَهُوَ الْأَنْهَارُ الَّتِي شَقَّتْهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَيْدِي وَمَاءِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ الَّتِي كَانَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ حَوَيْنَاهَا قَهْرًا وَالْمُسْتَنْبَطَة مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (أَوْ) أَرْضٍ صَارَتْ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ (فَتْحٍ عَنْوَةً) أَيْ قَهْرًا لَهَا (إلَخْ) أَيْ وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَيْهَا الْخَرَاجَ أَوْ صَالَحَهُمْ مِنْ جَمَاجِمِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ عَلَى وَظِيفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَهَذِهِ الْأَرَاضِي كُلُّهَا خَرَاجِيَّةٌ (وَفِي) الْأَرْضِ (الْأُخْرَى) وَهِيَ الْعُشْرِيَّةُ الْأَمْرُ فِيهَا (بِخِلَافِهِمَا) أَيْ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ وَالْفَتْحِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ تُسْقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ مَاءِ الْبِحَارِ أَوْ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْأَيْدِي وَبِأَنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ (فَلَا يَجْتَمِعَانِ) أَيْ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ (فِي) مَحَلٍّ (وَاحِدٍ) لِتَنَافِي لَازِمَيْهِمَا إذْ لَازِمُ الْخَرَاجِ الْكَرَّةُ وَلَازِمُ الْعُشْرِ الطَّوْعُ وَتَنَافِي اجْتِمَاعِ اللَّوَازِمِ يُوجِبُ تَنَافِي اجْتِمَاعِ الْمَلْزُومَاتِ.
(قُلْت) وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَعْلُومٌ أَنَّ بَعْضَ صُوَرِ الْخَرَاجِ يَكُونُ مَعَ الْفَتْحِ عَنْوَةً وَهُوَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا.
وَكَذَا بَعْضُ صُوَرِ الْعُشْرِ وَهُوَ فِيمَا إذَا فَتَحَهَا عَنْوَةً وَقَسَّمَهُمَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَمَا أَنَّ بَعْضَ صُوَرِ الْخَرَاجِ لَا يَكُونُ مَعَ الْعَنْوَةِ بَلْ لِلصُّلْحِ أَوْ بِأَنْ أَحْيَاهَا وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْأَنْهَارِ الصِّغَارِ أَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ تَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا مُطْلَقًا نَعَمْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَعَ هَذَا فَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الرَّاشِدِينَ مِنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ لَمْ يَأْخُذُوا عُشْرًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَإِلَّا لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ تَفَاصِيلُ أَخْذِهِمْ الْخَرَاجَ بِهَذَا تَقْضِي الْعَادَةُ وَكَوْنُهُمْ فَوَّضُوا الدَّفْعَ إلَى الْمُلَّاكِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ أَرَأَيْت إذَا كَانَ الْعُشْرُ وَظِيفَةً فِي الْأَرْضِ الَّتِي وُظِّفَ فِيهَا الْخَرَاجُ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ فَهَلْ يَقْرُبُ أَنْ يَتَوَلَّوْا أَخْذَ وَظِيفَةٍ وَيَكِلُوا الْأُخْرَى إلَيْهِمْ لَيْسَ لِهَذَا مَعْنًى وَكَيْفَ وَهُمْ كُفَّارٌ لَا يُؤْمِنُونَ عَلَى أَدَائِهِ مِنْ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ وَإِذَا كَانَ الظَّنُّ عَدَمَ أَخْذِ الثَّلَاثَةِ صَحَّ دَلِيلًا بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَيَكُونُ إجْمَاعًا هَذَا وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً كَالْعُشْرِ ذَكَرَهُ فِي أُصُولِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْخَانِيَّةِ وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَيْءٌ مِنْ الْخَارِجِ وَإِنَّمَا يُفَارِقُ الْعُشْرَ فِي الْمَصْرِفِ.
(وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلطَّهَارَةِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: ٦] {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: ٦] وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْقِيَامِ) أَيْ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ الْقِيَامُ مُطْلَقًا السَّبَبَ (بَلْ) السَّبَبُ لِوُجُوبِهَا (الْإِرَادَةُ) لِلصَّلَاةِ وَالْحَدَثُ شَرْطُ وُجُوبِهَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَتَرْتِيبُهَا عَلَيْهَا يُشْعِرُ بِسَبَبِيَّتِهَا وَالْغَرَضُ مِنْ الطَّهَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى بِصِفَتِهَا فَلَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا وَذَلِكَ بِالْحَدَثِ فَيَتَوَقَّفُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ شَرْطًا وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ بِمَا فِي ذِكْرِهِ هُنَا طُولٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute