للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُرَاجَعْ مِنْهُ (وَالْحَدَثُ) عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِدَوَرَانِهَا مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا وَأُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِ الدَّوَرَانِ دَلِيلَ الْعِلِّيَّةِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ وُجُودٌ مَوْجُودٌ لِوُجُودِ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَفِي حَقِّ غَيْرِ الْبَالِغِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الشَّيْءِ مَا يُفْضِي إلَيْهِ وَالْحَدَثُ يُزِيلُ الطَّهَارَةَ وَيُنَافِيهَا وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ سَبَبًا لِنَفْسِهَا بَلْ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ لَا يُنَافِيهِ بَلْ يُفْضِي إلَيْهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (ثُمَّ إنْ نَقَضَهَا) أَيْ نَقَضَ الْحَدَثَ طَهَارَةٌ سَابِقَةٌ عَلَيْهِ (لَمْ يَمْتَنِعْ) مَعَهُ أَنْ يَكُونَ نَفْسُهُ (سَبَبًا لِوُجُوبِ) طَهَارَةٍ (أُخْرَى) لَاحِقَةٍ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا (لَكِنْ مَعَ الصَّلَاحِيَّةِ) أَيْ صَلَاحِيَّةِ الْحَدَثِ لِسَبَبِيَّتِهِ لَهَا (يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلِ الِاعْتِبَارِ) أَيْ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ عَلَى كَوْنِهِ سَبَّبَهَا لَهَا لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِدَلِيلِ الْجَعْلِ لَا بِمُجَرَّدِ التَّجْوِيزِ وَدَلِيلُ الْجَعْلِ مَفْقُودٌ.

وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي آخَرِينَ سَبَبُ وُجُوبِهَا الصَّلَاةُ وَالْحَدَثُ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِإِضَافَتِهَا إلَى الصَّلَاةِ فَيُقَالُ طَهَارَةُ الصَّلَاةِ وَثُبُوتُهَا بِثُبُوتِهَا وَسُقُوطُهَا بِسُقُوطِهَا وَلَا يَخْفَى عَدَمُ ظُهُورِ كَوْنِ مُجَرَّدِ الصَّلَاةِ سَبَبًا مُوجِبًا لِلطَّهَارَةِ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُوجِبَ لَهَا وُجُوبَ مَا يَسْتَلْزِمُ تَحْقِيقَهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا الصَّلَاةُ أَيْ وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ مَشْرُوطِهَا) لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ إيجَابَ الشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ إيجَابَ شَرْطِهِ (وَأَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ الْمَحْضَةِ كَالْحُدُودِ مَحْظُورَاتٌ مَحْضَةٌ) مِنْ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَغَيْرِهَا.

(وَ) أَسْبَابُ (مَا فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إذْ لَمْ تَجِبْ) الْكَفَّارَاتُ (ابْتِدَاءً تَعْظِيمًا) لِلَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ بَلْ أَجِزْيَةً عَلَى أَفْعَالٍ مِنْ الْعِبَادِ فِيهَا مَعْنَى الْحَظْرِ زَجْرًا عَنْهَا وَهَذَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ إذْ الْعُقُوبَةُ مَا وَجَبَ جَزَاءً عَلَى ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْمَأْثَمَ بِهِ (وَشُرِعَ فِيهَا نَحْوُ الصَّوْمِ) مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْإِعْتَاقِ (وَلَزِمَتْ النِّيَّةُ) فِيهَا شَرْطًا لَهَا وَهَذَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا مُوَضَّحًا مَعَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ ثُمَّ أَسْبَابُ مَا فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ) لِتَقَعَ الْمُلَاءَمَةُ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْعِبَادَةِ مُضَافًا إلَى صِفَةِ الْعِبَادَةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ مُضَافًا إلَى صِفَةِ الْحَظْرِ إذْ الْأَثَرُ أَبَدًا يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْمُؤَثِّرِ وَلِذَا لَا يَصْلُحُ الْمَحْظُورُ الْمَحْضُ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ سَبَبًا لَهَا كَمَا لَا يَصْلُحُ الْمُبَاحُ الْمَحْضُ كَالْقَتْلِ بِحَقٍّ وَالْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ سَبَبًا لَهَا وَذَلِكَ (كَالْإِفْطَارِ) الْعَمْدِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ وَمَحْظُورٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ الْإِفْطَارَ بِالزِّنَا أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ مَعَ أَنَّ كُلًّا حَرَامٌ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ يُلَاقِي الْإِمْسَاكَ وَالْإِمْسَاكُ حَقُّهُ وَلِهَذَا يَصِيرُ بِهِ مُتَعَبِّدًا لِلَّهِ تَعَالَى فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِفْطَارَ لَاقَى حَقَّهُ يَكُونُ مُبَاحًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ يَكُونُ مَحْظُورًا وَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ لَيْسَا بِسَبَبَيْنِ لِلْكَفَّارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِهِمَا وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لَهَا الْفِطْرُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْفِطْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ الْمَمْلُوكِ لَهُ تَمَكَّنَتْ فِيهِ جِهَةُ الْإِبَاحَةِ وَلَا تَفَاوُتَ فِي تَحَقُّقِ هَذِهِ الْجِهَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفِطْرُ بِالْمُبَاحِ أَوْ الْحَرَامِ وَفِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلْقَآنِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْهُ انْتَهَى.

يَعْنِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَحْظُورٌ مَحْضٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالظِّهَارُ) وَهُوَ تَشْبِيهُ الزَّوْجَةِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهَا شَائِعٌ أَوْ مُعَبَّرٍ بِهِ عَنْ الْكُلِّ بِمَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْحُرْمَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ طَلَاقًا مُبَاحٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ مَحْظُورٌ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ وَقَدْ أَسْلَفْت فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ أَنَّ آخَرِينَ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ جَمِيعًا لِأَنَّ الظِّهَارَ كَبِيرَةٌ فَلَا يَصْلُحُ وَحْدَهُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ وَيَصْلُحُ مَعَ الْعَوْدِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَأَنَّ آخَرِينَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ وَالظِّهَارُ شَرْطٌ وَبَيَانُ الْوَجْهِ فِي كِلَيْهِمَا وَمَا عَلَيْهِمَا وَمَا لَعَلَّهُ الْأَشْبَهُ مَعَ زِيَادَةِ مَبَاحِثَ فَلْيُسْتَذْكَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ مِنْهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ سُكُوتُهُ بَعْدَ ظِهَارِهِ قَدْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>