للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يُمْكِنُهُ طَلَاقُهَا وَرُدَّ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْكَفَّارَةِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَالْجِنَايَةِ وَالظِّهَارُ لَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ لِيَكُونَ الْإِمْسَاكُ عَنْ طَلَاقِهَا جِنَايَةً وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْإِمْسَاكُ عَنْ طَلَاقِهَا لِلسَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ الْكَفَّارَةِ أَوْ لِلتَّرَوِّي فِي طَلَاقِهَا فَلَا يَكُونُ مُجَرَّدُهُ جِنَايَةً فَلَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لَهَا (وَالْقَتْلُ الْخَطَأُ) سَوَاءٌ كَانَ خَطَأً فِي الْقَصْدِ بِأَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ فِي الْفِعْلِ بِأَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا فَهُوَ مُبَاحٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ مَعْصُومِ الدَّمِ وَمَحْظُورٌ بِاعْتِبَارِ إصَابَةِ مَعْصُومِ الدَّمِ، وَقَتْلُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ أَوْ فِي الْحَرَمِ وَلُبْسُهُ وَتَطَيُّبُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ وَجِمَاعُهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قَتْلُ صَيْدٍ وَارْتِفَاقٌ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالْجِمَاعِ مُبَاحَةٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِهِ أَوْ الْحَرَمِ مَحْظُورَةٌ وَالْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ الْمُنْتَقِضَةُ بِالْحِنْثِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي اجْتِمَاعِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فِيهَا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] أَيْ بَذْلُهُ فِي كُلِّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ وَالْحِنْثَ شَرْطٌ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَقْضِهِ بِالْحِنْثِ مَحْظُورٌ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} [الواقعة: ٤٦] وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الْحِنْثِ سَبَبٌ.

وَفِي التَّحْقِيقِ وَإِلَى كُلِّ وَاحِدٍ ذَهَبَ فَرِيقٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَفِي الْكَشْفِ مَا مُلَخَّصُهُ الْيَمِينُ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ بِلَا خِلَافٍ لِإِضَافَتِهَا إلَيْهَا إلَّا أَنَّهَا عِنْدَنَا سَبَبٌ بِصِفَةِ كَوْنِهَا مَعْقُودَةً لِأَنَّهَا الدَّائِرَةُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا فَوَاتُ الْبِرِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْيَمِينِ الْبِرُّ احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ خَلَفًا عَنْ الْبِرِّ لِيَصِيرَ كَأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ فَشُرِطَ فَوَاتُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَلَفِ وَالْأَصْلِ وَالْيَمِينِ وَإِنْ انْعَدَمَتْ بَعْدَ الْحِنْثِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ أَعْنِي الْبِرَّ فَهِيَ قَائِمَةٌ فِي حَقِّ الْخَلَفِ فَالسَّبَبُ فِي الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ وَاحِدٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ سَبَبٌ بِصِفَةِ كَوْنِهَا مَعْقُودَةً وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ أَصْلًا لَا خَلَفًا عَنْ الْبِرِّ بِشَرْطِ فَوَاتِ التَّصْدِيقِ مِنْ الْخَبَرِ فَلَا تَجِبُ فِي الْغَمُوسِ عِنْدَنَا وَتَجِبُ فِيهَا عِنْدَهُ (وَفِي تَحْرِيرِهِ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (نَوْعُ طُولٍ) لَا بَأْسَ بِطَيِّهِ فِي الْمُتُونِ كَمَا لَا بَأْسَ بِبَسْطِهِ فِي الشُّرُوحِ فَلَا جَرَمَ أَنْ طَوَاهُ وَبَسَطْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

(وَ) السَّبَبُ (لِشَرْعِيَّةِ الْمُعَامَلَاتِ) مِنْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَغَيْرِهِمَا (الْبَقَاءُ) لِلْعَالَمِ (عَلَى النِّظَامِ الْأَكْمَلِ إلَى الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ) بَقَاؤُهُ إلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ لِهَذَا النِّظَامِ الْمَنُوطِ بِنَوْعِ الْإِنْسَانِ بَقَاءً إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حِفْظِ الْأَشْخَاصِ إذْ بِهَا بَقَاءُ النَّوْعِ وَالْإِنْسَانُ لِفَرْطِ اعْتِدَالِ مِزَاجِهِ يَفْتَقِرُ فِي الْبَقَاءِ إلَى أُمُورٍ صِنَاعِيَّةٍ فِي الْغِذَاءِ وَاللِّبَاسِ وَالْمَسْكَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهِيَ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ كُلِّ فَرْدٍ بِهَا وَعَدَمِ تَهَيُّئِهَا لَهُ يُفْتَقَرُ إلَى مُعَاوَنَةٍ وَمُشَارَكَةٍ فِيهَا مِنْ أَفْرَادِ النَّوْعِ ثُمَّ يَحْتَاجُ لِلتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ إلَى ازْدِوَاجٍ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَقِيَامٍ بِالْمَصَالِحِ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ يَفْتَقِرُ إلَى أُصُولٍ كُلِّيَّةٍ مُقَرَّرَةٍ مِنْ الشَّارِعِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا الْأَحْكَامُ الْجُزْئِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَصَالِح الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ لِيَحْفَظَ بِهَا الْعَدْلَ وَالنِّظَامَ بَيْنَهُمْ فِي بَابِ الْمُنَاكَحَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَقَاءِ النَّوْعِ وَالْمُبَايَعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَقَاءِ الشَّخْصِ إذْ كُلُّ أَحَدٍ يَشْتَهِي مَا يُلَائِمُهُ وَيَغْضَبُ عَلَى مَنْ يُزَاحِمُهُ فَيَقَعُ الْجَوْرُ وَيَخْتَلُّ النِّظَامُ وَهِيَ الْمُعَامَلَاتُ الْمَزْبُورَةُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ فَصَدَقَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَمَا تَقَدَّمَ) فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ (مِنْ حِفْظِ الضَّرُورِيَّاتِ وَالْحَاجِيَّاتِ تَفْصِيلُ هَذَا) .

(وَ) السَّبَبُ (لَلِاخْتِصَاصَاتُ) الشَّرْعِيَّةُ (كَالْمِلْكِ) وَالْحُرْمَةِ وَإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقَبَةِ لَا إلَى أَحَدِ (التَّصَرُّفَاتِ) الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ (الْمَجْعُولَةِ أَسْبَابًا شَرْعًا) لَهَا (كَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَقَدْ أَطْلَقُوا لَفْظَ السَّبَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فِي فَصْلِ الْعِلَّةِ إطْلَاقُهُمْ عَلَيْهِ (عِلَّةً) فَيَحْتَاجُ إلَى إعْطَاءِ ضَابِطٍ فِي ذَلِكَ بَيَانًا لِاصْطِلَاحِهِمْ فِيهِ وَنَفْيًا لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ (فَقِيلَ) أَيْ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَلَمْ يَعْقِلْ تَأْثِيرَهُ) فِي الْحُكْمِ (وَلَيْسَ) هُوَ (صُنْعَ الْمُكَلَّفِ خُصَّ بِاسْمِ السَّبَبِ) لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْحُكْمِ كَالْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ (وَإِنْ) كَانَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَلَمْ يَعْقِلْ تَأْثِيرَهُ فِيهِ ثَابِتًا (بِصُنْعِهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (وَذَلِكَ الْحُكْمُ هُوَ الْغَرَضُ مِنْ وَضْعِهِ) أَيْ وَضْعِ ذَلِكَ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الْحُكْمُ (فَعِلَّةٌ) أَيْ فَذَلِكَ الْمُتَرَتِّبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>