للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّبَبِ لِأَنَّ سَبَبَ الشَّيْءِ يَتَقَدَّمُهُ لِكَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَيْهِ وَشَرْطُهُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ وُجُودًا فَخَرَجَ الشَّرْطُ الْمَحْضُ نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إذْ التَّعْلِيقُ وَهُوَ فِعْلُ الْمُخْتَارِ لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَى الشَّرْطِ بَلْ بِالْعَكْسِ وَمَا اعْتَرَضَ عَلَى الشَّرْطِ فِعْلٌ غَيْرُ مُخْتَارٍ بَلْ طَبِيعِيٌّ كَمَا إذَا شَقَّ زِقَّ الْغَيْرِ فَسَالَ الْمَائِعُ مِنْهُ فَتَلِفَ وَمَا إذَا أَمَرَ عَبْدَ الْغَيْرِ بِالْإِبَاقِ فَأَبَقَ لِأَنَّهُ وَإِنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِعْلٌ مُخْتَارٌ فَالْأَمْرُ اسْتِعْمَالٌ لِلْعَبْدِ وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ فَيَصِيرُ غَاصِبًا بِهِ لِلْعَبْدِ فَعَمَلُهُ عَلَى وَفْقِ اسْتِعْمَالِهِ كَالْآلَةِ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهَا وَمَا إذَا كَانَ فِعْلُ الْمُخْتَارِ مَنْسُوبًا إلَى الشَّرْطِ كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ ضَمَانِ الْعَبْدِ إذَا كَانَ عَاقِلًا.

فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا لَا يَضْمَنُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَجْنُونًا كَانَ الْحَالُ ضَامِنًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اخْتِلَافٍ (وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَفَصِ وَالْإِصْطَبْلِ لَا يَضْمَنُهَا) أَيْ الْفَاتِحُ الطَّيْرَ وَالدَّابَّةَ إذَا ذَهَبَا مِنْهُمَا عَلَى الْفَوْرِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَقَالَ يَضْمَنُهُمَا إذَا ذَهَبَا عَلَى الْفَوْرِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (جَعَلَهُ) أَيْ مُحَمَّدٌ فَتْحَ كُلٍّ مِنْهُمَا (كَشَرْطٍ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ إذْ بَايَعَهُمَا) أَيْ الطَّيْرَ وَالدَّابَّةَ (الِانْتِقَالَ) أَيْ الْخُرُوجَ عَنْهُمَا بِحَيْثُ لَا يَصْبِرَانِ عَنْهُ عَادَةً (عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ) مِنْهُ وَالْعَادَةُ إذَا تَأَكَّدَتْ صَارَتْ طَبِيعَةً لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا (فَهُوَ) أَيْ انْتِقَالُهُمَا مِنْهُمَا (كَسَيَلَانِ) الْمَائِعِ مِنْ (الزِّقِّ عِنْدَ الشَّقِّ وَلِأَنَّ فِعْلَهُمَا) أَيْ الطَّيْرِ وَالدَّابَّةِ (هَدَرٌ) شَرْعًا لِفَسَادِ اخْتِيَارِهِمَا كَمَا إذَا صَاحَ بِالدَّابَّةِ فَذَهَبَتْ صَارَ ضَامِنًا وَإِنْ ذَهَبَتْ مُخْتَارَةً لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ فَاسِدٌ فَلَا يَصْلُحُ لِإِضَافَةِ التَّلَفِ إلَيْهِ (فَيُضَافُ التَّلَفُ إلَى الشَّرْطِ) الَّذِي هُوَ الْفَتْحُ (وَهُمَا) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (مَنَعَا الْإِلْحَاقَ) أَيْ إلْحَاقَ الطَّائِرِ وَالدَّابَّةِ بِالْجَمَادِ الْمَائِعِ فِي إضَافَةِ التَّلَفِ إلَى الشَّرْطِ (بَعْدَ تَحْقِيقِ الِاخْتِيَارِ) لَهُمَا.

(وَكَوْنُهُ) أَيْ فِعْلِهَا (هَدَرًا) أَيْ لَا يَصْلُحُ لِإِيجَابِ حُكْمٍ بِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَحِلُّهُ الذِّمَّةُ وَلَا ذِمَّةَ لَهُمَا (لَا يَمْنَعُ قَطْعَ الْحُكْمِ عَنْ الشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ) مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ الْمُصَادِ بِهَا (إلَى صَيْدٍ فَمَالَ) الْمُرْسَلُ (عَنْهُ) أَيْ الصَّيْدِ (ثُمَّ رَجَعَ) الْمُرْسَلُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الصَّيْدِ (فَأَخَذَهُ مَيْلَةً هَدَرٌ) فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ بَهِيمَةً (وَقَطَعَ) مَيْلَهُ (النِّسْبَةَ) لِإِرْسَالِهِ (إلَى الْمُرْسَلِ) فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ (أَمَّا لَوْ نُسِبَ) خُرُوجُهُمَا (إلَيْهِ كَفَتْحِهِ) أَيْ الْفَاتِحِ (عَلَى وَجْهِ نَفْرِهِ) أَيْ مَا كَانَ فِيهِمَا مِنْ طَائِرٍ أَوْ دَابَّةٍ (فَفِي مَعْنَى الْعِلَّةِ) أَيْ فَفَتْحُهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى السَّبَبِ بَلْ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ (فَيَضْمَنُ) الْفَاتِحُ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ أَنَّ مَا ذَكَرَاهُ قِيَاسٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُخَالِفُ قَرِيبٌ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْحَاقِ الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ بِالطَّبِيعَةِ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ وَإِهْدَارًا لِاخْتِيَارِ مَا لَا عَقْلَ لَهُ حُكْمًا فَإِنَّهُ اخْتِيَارٌ لَا حُكْمَ لَهُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَعَلَى هَذَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَتَرَجَّحُ الْقِيَاسُ فِيهَا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ قُلْت بَلْ فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِ الْفَتْوَى بِالِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ اخْتِيَارِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الْفَتْوَى بِالضَّمَانِ بِالسِّعَايَةِ بَلْ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْهُ لُزُومُ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي فَوْرِ الْفَتْحِ بَلْ بَعْدَ لَحْظَةٍ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَدَمُ الضَّمَانِ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ فِي فَوْرِ الْفَتْحِ عُلِمَ أَنَّهَا تَرَكَتْ عَادَتَهَا وَكَانَ الْخُرُوجُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الِاخْتِيَارِ فَأَشْبَهَ حِلَّ الْقَيْدِ وَسَاقَ هَذَا الْحُكْمَ مَسَاقَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ.

(وَأَمَّا الْعَلَامَةُ) وَعَلِمْت أَنَّهَا لِمُجَرَّدِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُكْمِ فَالْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِهِ لَا هُوَ نَفْسُهُ (فَكَالْأَوْقَاتِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ) الْمَفْرُوضَيْنِ فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى وُجُودِ وُجُوبِهِمَا مِنْ غَيْرِ إفْضَاءٍ وَلَا تَأْثِيرٍ (وَعُدَّ الْإِحْصَانُ) لِإِيجَابِ رَجْمِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ (مِنْهَا) أَيْ الْعَلَامَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَزْدَوِيُّ فِي آخَرِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ (لِثُبُوتِهِ) أَيْ الْإِحْصَانِ قَبْلَ ثُبُوتِ الزِّنَا (بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ) أَيْ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَزُفَرَ وَلَوْ كَانَ عِلَّةً أَوْ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا لِوُجُوبِ الرَّجْمِ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ لِتَوَقُّفِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَشَهَادَتُهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي الْحُدُودِ وَبَعْدَ ثُبُوتِ الزِّنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ حِينَئِذٍ تَكْمِيلُ الْعُقُوبَةِ وَالْمُكَمِّلُ لَهَا بِمَنْزِلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>