للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُوجِبِ لِأَصْلِهَا فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ كَالزِّنَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ثُبُوتِ الزِّنَا فَإِنَّ تَكْمِيلَ الْحَدِّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَالَا الْإِحْصَانُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْعُقُوبَةِ إذْ هُوَ عَلَى مَا قَالَ كَثِيرٌ كَوْنُ الْإِنْسَانِ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً تَزَوُّجًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَعَزَا السَّرَخْسِيُّ هَذَا إلَى الْمُتَقَدِّمِينَ ثُمَّ تَعَقَّبَهُمْ بِأَنَّ شَرْطَهُ عَلَى الْخُصُوصِ شَيْئَانِ: الْإِسْلَامُ وَالدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِثْلُهُ ثُمَّ قَالَ: فَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَهُمَا شَرْطَا الْأَهْلِيَّةِ لِلْعُقُوبَةِ لَا شَرْطَا الْإِحْصَانِ عَلَى الْخُصُوصِ وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطُ تَكْمِيلِ الْعُقُوبَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ خِصَالٍ حَمِيدَةٍ بَعْضُهَا غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْقُدْرَةِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَبَعْضُهَا فَرْضٌ عَلَيْهِ كَالْإِسْلَامِ وَبَعْضُهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لَهَا الْعِلَّةُ الصَّالِحَةُ وَهِيَ الزِّنَا فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ هَذِهِ الْخِصَالِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الزِّنَا كَمَا قَبْلَ ثُبُوتِهِ (مُشْكِلٌ بَلْ هُوَ) أَيْ الْإِحْصَانُ (شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ) أَيْ الرَّجْمِ (كَمَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ) مِنْهُمْ مُتَقَدِّمُو مَشَايِخِنَا وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ (لِتَوَقُّفِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْحَدِّ (عَلَيْهِ) أَيْ الْإِحْصَانِ (بِلَا عَقْلِيَّةِ تَأْثِيرٍ) لَهُ فِي خُصُوصِ هَذَا الْحَدِّ.

(وَلَا إفْضَاءَ) إلَيْهِ وَهَذَا شَأْنُ الشَّرْطِ (لَا) أَنَّهُ عَلَامَةٌ (لِتَوَقُّفِ مُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِهِ) أَيْ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الزِّنَا إذَا ثَبَتَ لَا يَتَوَقَّفُ انْعِقَادُهُ عِلَّةً لِلرَّجْمِ عَلَى إحْصَانٍ يَحْدُثُ بَعْدَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَلَامَةَ إذَا كَانَتْ دَلِيلَ الْوُجُودِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا بَعْدَ الْوُجُودِ.

فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الرَّجْمِ كَمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَكَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي شُهُودِ الشَّرْطِ إذَا رَجَعُوا وَحْدَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَالْجَوَابُ لَا (وَعَدَمُ الضَّمَانِ بِرُجُوعِ شُهُودِ الشَّرْطِ هُوَ الْمُخْتَارُ) كَمَا سَلَفَ وَجْهُهُ (وَإِنَّمَا تُكَلِّفُهُ) أَيْ الْإِحْصَانَ (عَلَامَةَ الْمُضَمَّنِ) شُهُودَ الشَّرْطِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَدَمُ تَضْمِينِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ (وَهُوَ) أَيْ تَكَلُّفُهُ عَلَامَةً لِيَنْدَفِعَ عَنْهُ إلْزَامُ تَضْمِينِهِمْ (غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَوْ) كَانَ الْإِحْصَانُ (شَرْطًا لَمْ تَضْمَنْ) شُهُودُهُ (بِهِ) أَيْ بِالرُّجُوعِ أَيْضًا (إذْ شَرْطُهُ) أَيْ تَضْمِينِ شُهُودِ الشَّرْطِ (عَدَمُ) الْعِلَّةِ (الصَّالِحَةِ) لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا (وَالزِّنَا عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِضَافَةِ الْحَدِّ) إلَيْهِ فَلَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْإِحْصَانُ.

فَإِنْ قِيلَ الشَّرْطُ مَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْعِلَّةِ حَقِيقَةً بَعْدَ وُجُودِهَا صُورَةً إلَى حِينِ وُجُودِهِ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْعَتَاقِ بِالدُّخُولِ مَثَلًا وَالزِّنَا إذَا تَحَقَّقَ لَمْ يَتَوَقَّفْ انْعِقَادُهُ عِلَّةً لِلرَّجْمِ عَلَى إحْصَانِ مُحْدِثٍ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ لَوْ وُجِدَ بَعْدَ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّجْمُ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُطْلَقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَقَدَّمَهُ) أَيْ الشَّرْطَ الْإِحْصَانُ (عَلَى الْعِلَّةِ الزِّنَا غَيْرُ قَادِحٍ) فِي كَوْنِ الْإِحْصَانِ شَرْطًا لِإِيجَابِ الرَّجْمِ (إذْ تَأَخُّرُهُ) أَيْ الشَّرْطِ (عَنْهَا) أَيْ الْعِلَّةِ صُورَةً (غَيْرُ لَازِمٍ كَشَرْطِ الصَّلَاةِ) مِنْ إزَالَةِ حَدَثٍ وَخَبَثٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عِلَّةِ الصَّلَاةِ أَيْ الْخِطَابِ بِهَا أَوْ تَضْيِيقِ الْوَقْتِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُ شَرْطِهَا فَيَكُونُ هَذَا مِثَالًا لِتَأَخُّرِ الشَّرْطِ عَنْ الْعِلَّةِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ وُجُودَهُ فَهُوَ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ عِلَّتِهَا بِالتَّفْسِيرِ السَّابِقِ لَهَا إمَّا لِعُذْرٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَوْ تَسَاهُلًا وَقَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا اسْتِعْدَادًا لِأَدَائِهَا عِنْدَ تَحَقُّقِ عِلَّتِهَا وَعَلَى هَذَا فَجَعَلَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ مِثَالًا لِمَا لَا يَكُونُ الشَّرْطُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْعِلَّةِ لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ هَلْ يَلْزَمُ تَقَدُّمُهُ أَوْ تَأَخُّرُهُ عَنْ عِلَّتِهِ أَوْ لَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ بَلْ قَدْ وَقَدْ، وَتَقَدُّمُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ عَلَى الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ هَذَا بِشَيْءٍ؛ نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَأْخِيرَ الشَّرْطِ عَنْ الْعِلَّةِ الْعَقْلِ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ عِلَّةٌ لِأَحْكَامِهَا الْمُخْتَصَّةِ بِهَا وَالْعَقْلُ شَرْطٌ لَهَا وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا (إلَّا فِي) الشَّرْطِ (التَّعْلِيقِيِّ) فَإِنَّ تَأَخُّرَهُ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ لَازِمٌ (بَلْ قِيلَ) أَيْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ.

(وَلَا فِيهِ) أَيْ وَلَيْسَ تَأَخُّرُ التَّعْلِيقِيِّ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ بِلَازِمٍ أَيْضًا (فَقَدْ يَتَقَدَّمُ) التَّعْلِيقِيُّ (وَيَكُونُ الْمُتَأَخِّرُ الْعِلْمَ بِهِ) وَظُهُورُهُ (كَالتَّعْلِيقِ بِكَوْنِ قَيْدِهِ عَشَرَةً) بِأَنْ قَالَ إنْ كَانَ زِنَةُ قَيْدِ عَبْدِي عَشَرَةَ أَرْطَالٍ فَهُوَ حُرٌّ فَقَدْ سَبَقَ الشَّرْطُ وَهُوَ كَوْنُهُ عَشَرَةً الْعِلَّةُ أَيْ الْيَمِينُ أَيْ الْجَزَاءُ مِنْهُ أَعْنِي قَوْلَهُ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ نَظَرَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>