وَأَوْرَدَ صُورَةَ الدَّعْوَى حَاصِلَةً مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا حَقِيقَةً وَقَدْ اكْتَفَى بِهَا فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِهَا فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا الْمَانِعِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاقِفٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ فَلَمْ يَكْتَفِ بِصُورَةِ الدَّعْوَى بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُمْ لَا وُقُوفَ لَهُمْ عَلَى حَقِيقَةِ الدَّعْوَى فَاكْتَفَى بِصُورَتِهَا وَإِنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يُحْمَلُ النَّصُّ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ بِدَلِيلِ النَّصِّ الْآخَرِ وَهُوَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ؟ ، فَالْجَوَابُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ التَّرَادِّ رَدَّ الْمَأْخُوذِ حِسًّا فَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ رَدَّ الْعَقْدِ وَفَسْخَهُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَلَغَا قَوْلُهُ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ إذْ هَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ لَكِنَّ الْفَرْضَ تَصَوَّرَهُ فَجَرَيَانُهُ الْمُوجِبُ لِلتَّحَالُفِ يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِقِيَامِ السِّلْعَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الِاخْتِلَافِ لَغْوًا فَيَقْتَصِرُ ثُبُوتُ التَّحَالُفِ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى هَذَا الْمَوْرِدِ (فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْإِجَارَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَآجِرَانِ فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ (وَ) إلَى (الْوَارِثَيْنِ) بِلَفْظِ الْمُثَنَّى أَيْ وَارِثِ الْبَائِعِ وَوَارِثِ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ اخْتَلَفَ وَارِثُ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثُ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ أَوْ وَارِثَاهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثِهِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَ الْوَارِثِينَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ مُحَمَّدٍ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ (إذْ كُلٌّ) مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (يَدَّعِي) عَلَى صَاحِبِهِ (عَقْدًا غَيْرَ) الْعَقْدِ (الْآخَرِ) الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَيُنْكِرُ مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ إذْ الْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُهُ بِأَلْفَيْنِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْوَارِثِينَ (دُفِعَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الثَّمَنِ لَا يُوجِبُهُ) أَيْ اخْتِلَافَ الْعَقْدِ (كَمَا فِي زِيَادَتِهِ وَحَطِّهِ) أَيْ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَالْحَطِّ مِنْهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِأَلْفٍ يَصِيرُ بِعَيْنِهِ بِأَلْفَيْنِ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ بِأَلْفَيْنِ يَصِيرُ بِعَيْنِهِ بِأَلْفٍ بِالْحَطِّ مِنْهُمَا وَوَافَقَهُمَا مُحَمَّدٌ عَلَى عَدَمِ التَّعْدِيَةِ إلَى الْإِجَارَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّرَادِّ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَسْخِ لِتَلَاشِي الْمَنَافِعِ وَعَدَمِ تَقَوُّمِهَا بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ وَلَوْ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا عَقْدَ فَيَرْجِعُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ.
وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُقَيِّدْ خِلَافَهُ بِالْوَارِثَيْنِ لِإِرْشَادِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ وَاعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ كَوْنِهِ قَيْدًا لِمَا يَلِيهِ خَاصَّةً (بِخِلَافِ مَا) ثَبَتَ (بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ إنْ كَانَ عَلَى وَفْقِهِ اسْتِحْسَانًا كَانَ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يُعَدَّى بِشَرْطِهِ فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَلَزِمَ أَنْ لَا يُعَدَّى مَا بِغَيْرِ قِيَاسٍ (وَهُوَ) أَيْ مَا ثَبَتَ بِهِ (مَا) أَيْ تَحَالُفُهُمَا الَّذِي (قَبْلَ الْقَبْضِ) لِلْمَبِيعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ فَإِنَّ الْبَائِعَ يُنْكِرُ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُ وُجُوبَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ فَيَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّ الْيَمِينَ يَكُونُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي شَيْئًا عَلَى الْبَائِعِ لِيَكُونَ الْبَائِعُ أَيْضًا مُنْكِرًا وَإِذَا كَانَ تَحَالُفُهُمَا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ (فَتَعَدَّى) التَّحَالُفُ (إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى الْوَارِثِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَاضِيَةِ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ وَالْحُكْمُ مَعْقُولٌ فَوَارِثُ الْبَائِعِ يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ أَوْ وَارِثَهُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَوَارِثُ الْمُشْتَرِي يُطَالِبُ الْبَائِعَ أَوْ وَارِثَهُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَيَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا (وَإِلَى الْإِجَارَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ كَتَحَالُفِ الْقَصَّارِ وَرَبَّيْ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْلُحُ مُدَّعِيًا وَمُنْكِرًا (وَفُسِخَتْ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ قَبْلَ إقَامَةِ الْعَمَلِ وَفِي التَّحَالُفِ ثَمَّ الْفَسْخُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالتَّحَالُفُ مَشْرُوعٌ لِذَلِكَ فَيَجْرِي بَيْنَهُمَا (وَاسْتُشْكِلَ اخْتِصَاصُ قُوَّةِ الْأَثَرِ وَفَسَادِ الْبَاطِنِ مَعَ صِحَّةِ الظَّاهِرِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَقَلْبُهُمَا) أَيْ وَاخْتِصَاصُ ضَعْفُ الْأَثَرِ وَصِحَّةِ الظَّاهِرِ مَعَ فَسَادِ الْبَاطِنِ (بِالْقِيَاسِ) وَالْمُسْتَشْكِلُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute