للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُطَّرِدٍ فَإِنَّ الْمَبِيعَ فِي بَيْعِ إنَاءِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ بِإِنَاءٍ كَذَلِكَ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ إذَا كَانَ ثَوْبًا بِعَيْنِهِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وُرُودَهُمَا عَلَى الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَرُبَّمَا يَقَعُ عَقْدُهُمَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَيَتَعَذَّرُ عَلَى عَامَّةِ التُّجَّارِ مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ أُقِيمَ اسْمُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ مَقَامَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَعُلِّقَ وُجُوبُ الْقَبْضِ بِهِمَا تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ فَوَجَبَ الْقَبْضُ بِهِمَا سَوَاءٌ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى دَيْنٍ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ بِعَيْنٍ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ تَقْدِيرًا إذْ الشَّيْءُ إذَا أُقِيمَ مَقَامَ غَيْرِهِ فَالْمَنْظُورُ نَفْسُهُ لَا الشَّيْءُ الَّذِي أُقِيمَ هُوَ مَقَامَهُ كَالسَّفَرِ لَمَّا أُقِيمَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ صَارَ الْمَنْظُورُ السَّفَرَ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْمَشَقَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَفِي التَّلْوِيحِ فَإِنْ قِيلَ الْمَبِيعُ فِي السَّلَمِ هُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ وَلَيْسَ بِمَقْبُوضٍ وَالْمَقْبُوضُ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ وَلَيْسَ بِمَبِيعٍ أُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَبِيعٍ مُتَعَيِّنٍ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِهِ وَيَنْعَكِسُ إلَى كُلِّ مَبِيعٍ لَا يَكُونُ مُتَعَيِّنًا يُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِهِ وَثَانِيهِمَا الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ أَصْلًا وَيَنْعَكِسُ إلَى كُلِّ بَيْعٍ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَبِيعُ وَلَا ثَمَنُهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْجُمْلَةِ انْتَهَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ نَوْعَ نَبْوَةٍ مِنْ تَقْرِيرِ التَّرْجِيحِ بِالْعَكْسِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لِأَنَّ حَاصِلَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْبَدَلِ فِي الْأَصْلِ وَاشْتِرَاطُهُ فِي الِانْعِكَاسِ وَهُوَ خِلَافُ مَا صُرِّحَ بِهِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَاشْتِرَاطِهِ وَمُؤَدَّى الْوَجْهِ الثَّانِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ قَبَضَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ أَوْ قَبَضَ أَحَدَهُمَا فِي الْأَصْلِ وَاشْتِرَاطُ الْقَبْضِ فِي الْعَكْسِ فِي الْجُمْلَةِ أَيُّهُمَا كَانَ وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ الْمُصَرَّحِ بِهِ ثُمَّ هَلْ الْقَبْضُ فِي هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ.

قِيلَ أَشَارَ مُحَمَّدٌ إلَى كُلٍّ وَصَحَّحَ الثَّانِي (وَهَذَا) أَيْ الْعَكْسُ (أَضْعَفُهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ (لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِعِلَلٍ شَتَّى) فَيَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ مَعَ انْتِفَاءِ عِلَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهُ لِثُبُوتِهِ بِغَيْرِهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ انْعِدَامُهُ عِنْدَ انْعِدَامِهَا مَعَ وُجُودِهِ عِنْدَ وُجُودِهَا مُطْلَقًا صَالِحًا لَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى وَكَادَةِ اتِّصَالِهِ بِهَا صَلُحَ مُرَجِّحًا عَلَى مَا يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِهَا مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ضَعْفِهِ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهُ إذَا عَارَضَهُ تَرْجِيحٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ كَانَ ذَلِكَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ (وَابْتَنَى عَلَى مَا سَلَفَ) فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ (مِنْ عَدَمِ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا فِي عَدَمِ التَّرْجِيحِ مِنْ بَحْثٍ تَقَدَّمَ فِيهِ (أَنْ لَا يُرَجَّحَ قِيَاسٌ بِآخَرَ بِأَنْ خَالَفَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقِيَاسُ الْمُنْضَمُّ إلَيْهِ (فِي الْعِلَّةِ لَا الْحُكْمِ عَلَى) قِيَاسِ (مُعَارِضِهِ) لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ (وَلَوْ اتَّفَقَا) أَيْ الْقِيَاسَانِ (فِيهَا) أَيْ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الْحُكْمِ (كَانَ) اتِّفَاقُهُمَا (مِنْ كَثْرَةِ الْأُصُولِ لَا) مِنْ كَثْرَةِ (الْأَدِلَّةِ) إذْ لَا يَتَحَقَّقُ تَعَدُّدُ الْقِيَاسَيْنِ حَقِيقَةً إلَّا عِنْدَ تَعَدُّدِ الْعِلَّتَيْنِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِيَاسِ وَمَعْنَاهُ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ حُجَّةً هِيَ الْعِلَّةُ لَا الْأَصْلُ (فَيُرَجَّحُ) الْقِيَاسُ الْمُنْضَمُّ إلَيْهِ ذَلِكَ (عَلَى مُخَالِفِهِ) لِأَنَّ كَثْرَةَ الْأُصُولِ مُرَجِّحٌ صَحِيحٌ.

(وَكَذَا كُلُّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً) مُسْتَقِلَّةً لِحُكْمٍ (لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا) لِعِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ أُخْرَى لِذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى عِلَّةٍ مُعَارِضَةٍ لَهَا فِيهِ إذْ تَقَوِّي الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي ذَاتِهِ وَتَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَالْمُسْتَقِلُّ لِاسْتِقْلَالِهِ لَا يَنْضَمُّ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَتَّحِدُ بِهِ فَلَا يُفِيدُ الْقُوَّةَ (فَلَمْ يَتَفَاوَتْ بِتَفَاوُتِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعَيْنِ) كَأَنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ الدَّارِ وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا (مَا يَشْفَعَانِ فِيهِ) وَهُوَ النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْهَا إذَا بَاعَهُ مَالِكُهُ وَطَلَبَا أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ بِأَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَا النِّصْفِ الْمَبِيعِ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ ثُلُثَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَرَجَّحَ صَاحِبُ الثُّلُثِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْفَرِدُ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَيَسْقُطُ صَاحِبُ السُّدُسِ بَلْ يَكُونُ النِّصْفُ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي كُلِّ جَانِبٍ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ نَصِيبِهِمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي اسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ فِي جَانِبِ صَاحِبِ الثُّلُثِ الْأَكْثَرِ الْعِلَّةُ وَهِيَ لَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَكُونُ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَثُلُثَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>