للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الشُّهْرَةَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنَّ أُصُولَهُ كَثِيرَةٌ وَكَثْرَةُ الْأَقْيِسَةِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ قِيَاسٍ عِلَّةٌ عَلَى حِدَةٍ وَذَلِكَ (كَالْمَسْحِ) فَإِنَّهُ وَصْفٌ يَشْهَدُ لِتَأْثِيرِهِ (فِي التَّخْفِيفِ) أُصُولٌ إذْ (يُوجَدُ فِي التَّيَمُّمِ وَمَا ذَكَرْنَا) مِنْ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَالْجَوْرَبِ وَالْخُفِّ (فَيَتَرَجَّحُ عَلَى تَأْثِيرِ وَصْفِ الرُّكْنِيَّةِ) فِي تَأْثِيرِهِ (فِي التَّثْلِيثِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ إلَّا الْغُسْلُ (فَلِذَا) أَيْ كَوْنِ الْمَسْحِ فِي تَأْثِيرِهِ التَّخْفِيفُ مِثَالًا لِهَذَا وَلِلثَّانِي.

(قِيلَ) أَيْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ (هُوَ) أَيْ هَذَا الثَّالِثُ (قَرِيبٌ مِنْ الثَّانِي) قِيلَ لِأَنَّ فِي الثَّالِثِ اُعْتُبِرَ الْمُؤَثِّرُ وَهُوَ كَثْرَةُ الْأُصُولِ وَفِي الثَّانِي اُعْتُبِرَ الْأَثَرُ وَهُوَ ثَبَاتُهُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ فِي الثَّالِثِ أُخِذَ مِنْ نَظَائِرِ الْوَصْفِ كَالتَّيَمُّمِ وَنَحْوِهِ وَفِي الثَّانِي أُخِذَ مِنْ قُوَّةِ الْوَصْفِ وَهُوَ الْمَسْحُ فِي مَسْأَلَةِ التَّثْلِيثِ مَثَلًا وَنُقِلَ فِي التَّلْوِيحِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ التَّأْثِيرَ إذَا كَانَ بِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ جِنْسَ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعَهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ فَقُوَّةُ الثَّبَاتِ حِينَئِذٍ تَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَإِذَا كَانَ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ جِنْسِ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ نَوْعِهِ فَأَحَدُهُمَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ (وَالْحَقُّ أَنَّ الثَّلَاثَةَ تَرْجِعُ إلَى قُوَّةِ الْأَثَرِ وَالتَّفْرِقَةُ) بَيْنَهَا إنَّمَا هِيَ (بِالِاعْتِبَارِ فَهُوَ) أَيْ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ قُوَّةُ الْأَثَرِ (بِالنَّظَرِ إلَى) نَفْسِ (الْوَصْفِ وَالثَّبَاتِ) أَيْ وَقُوَّةِ الثَّبَاتِ عَلَى الْحُكْمِ بِالنَّظَرِ (إلَى الْحُكْمِ وَكَثْرَةِ الْأُصُولِ) بِالنَّظَرِ (إلَى الْأَصْلِ) وَعَزَاهُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ إلَى الْمُحَقِّقِينَ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَمَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إذَا قَرَّرْته فِي مَسْأَلَةٍ إلَّا وَتَبَيَّنَ بِهِ إمْكَانُ تَقْرِيرِ النَّوْعَيْنِ فِيهِ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ وَقَلَّمَا يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا وَمَعَهُ الْآخَرَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُوجَدُ عَلَى مَا قِيلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا الْعَكْسُ) وَيُسَمَّى الِانْعِكَاسَ أَيْضًا وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ فَعِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ وَلَا وُجُودَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لِأَنَّ الرُّجْحَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَمُخْتَارُ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ صَالِحٌ لِلتَّرْجِيحِ لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ الَّذِي جُعِلَ حُجَّةً دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ وَوَكَادَةِ تَعَلُّقِهِ بِهِ فَصَلُحَ مُرَجِّحَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنَّهُ تَرْجِيحٌ ضَعِيفٌ كَمَا يَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا (كَمَسْحٍ) أَيْ كَقَوْلِنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ هُوَ مَسْحٌ لَمْ يُعْقَلْ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ (فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ) فَإِنَّهُ يَنْعَكِسُ صَادِقًا إلَى كُلِّ مَا لَيْسَ بِمَسْحٍ لَمْ يُعْقَلْ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ (بِخِلَافِ) قَوْلِ الشَّافِعِيِّ هُوَ (رُكْنٌ فَيُكَرَّرُ) لِأَنَّهُ لَا يَنْعَكِسُ صَادِقًا إلَى كُلِّ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ لَا يُكَرَّرُ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّكْرَارَ (يُوجَدُ مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ الرُّكْنِ (كَمَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ.

(وَقَوْلُنَا فِي بَيْعِ الطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ الْمَطْعُومِ حِنْطَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا بِالطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (مَبِيعٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ أَوْلَى مِنْ) قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (مَأْكُولٌ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ حَرُمَ التَّفَاضُلُ) فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ (إذْ لَا يَنْعَكِسُ) هَذَا صَادِقًا إلَى كُلِّ مَا لَا يُقَابَلُ بِجِنْسِهِ لَا يَحْرُمُ الْفَضْلُ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ (لِاشْتِرَاطِ قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) حَالَ كَوْنِ رَأْسِ مَالِهِ (غَيْرَ رِبَوِيٍّ) مِنْ ثِيَابٍ وَغَيْرِهَا (بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ مَبِيعٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ (إذْ كُلَّمَا انْتَفَى) التَّعْلِيلُ الَّذِي هُوَ التَّعْيِينُ (انْتَفَى) الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ كَوْنِ عِلَّةِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ مَا ذَكَرْنَا (لَزِمَ الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ) أَيْ بَيْعُ جِنْسِ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ كَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ (لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ) وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الصَّرْفِ فَانْتَفَى عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لِانْتِفَاءِ التَّعْيِينِ فِي الْبَدَلَيْنِ وَلَوْ صَحَّ بِدُونِ الْقَبْضِ لَكَانَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدِينٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.

(وَ) فِي (السَّلَمِ لِانْتِفَاءِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ) وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَقِيقَةً مَعَ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ النَّقْدِ غَالِبًا فَيَكُونُ دَيْنًا فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَيْضًا فَيَكُونُ انْتِفَاءُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ لِانْتِفَاءِ التَّعْيِينِ أَيْضًا.

قُلْت لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ قَائِلًا بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ التَّعْيِينَ فِي الْعُقُودِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عِنْدَهُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا تَمَّ عَلَيْهِ أَوْ لَا عُدِمَ تَعْيِينُهَا بِالتَّعْيِينِ هَذَا وَقَدْ أَوْرَدَ مَا ذَكَرْتُمْ غَيْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>