أُجِيبَ بِأَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ إيرَادَ النَّقْضِ بِسَائِرِ الْأَرْكَانِ بَلْ بَيَانَ أَنَّ الرُّكْنِيَّةَ وَإِنْ سَلِمَ تَأْثِيرُهَا فِي الْوُضُوءِ فَلَيْسَتْ بِمُؤَثِّرَةٍ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي التَّكْرَارِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَوَصْفُ الْمَسْحِ مُؤَثِّرٌ فِي التَّخْفِيفِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَكُونُ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى.
(وَأَمَّا الثَّبَاتُ) أَيْ قُوَّةُ ثَبَاتِ الْوَصْفِ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي يَشْهَدُ الْوَصْفُ بِثُبُوتِهِ (فَكَثْرَةُ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ فِي الْحُكْمِ) أَيْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ ذَلِكَ الْوَصْفَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَيْ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَمَعَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَحَاصِلُهُ أَنْ يَكُونَ وَصْفُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ أَلْزَمَ لِلْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ مِنْ وَصْفِ الْقِيَاسِ الْآخَرِ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَزْدَادُ قُوَّةً لِفَضْلِ مَعْنَاهُ الَّذِي صَارَ بِهِ حُجَّةً وَهُوَ رُجُوعُ أَثَرِهِ إلَى الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَوَقِّفِ اعْتِبَارُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ فَكَانَ زِيَادَةُ ثَبَاتِهِ عَلَى الْحُكْمِ ثَابِتَةً بِأَحَدِهَا أَيْضًا كَثُبُوتِ أَصْلِ الْأَثَرِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى مَا لَمْ تُوجَدْ فِيهِ هَذِهِ الْقُوَّةُ (كَالْمَسْحِ فِي) دَلَالَتِهِ عَلَى (التَّخْفِيفِ فِي كُلِّ تَطْهِيرٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ كَالتَّيَمُّمِ وَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَالْجَوْرَبِ وَالْخُفِّ) فَإِنَّ الْمَسْحَ فِي هَذِهِ لَا يُسَنُّ فِيهِ التَّكْرَارُ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنْ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مَسْحٌ وَقَدْ شُرِعَ فِيهِ التَّكْرَارُ لِأَنَّهُ عَقْلٌ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ إذْ الْمَقْصُودُ التَّنْقِيَةُ وَالتَّكْرَارُ يُؤَثِّرُ فِي تَحْصِيلِهَا.
وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا حَصَلَتْ بِمَرَّةٍ لَا يُكَرَّرُ الْمَسْحُ فَكَانَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ لَهُ التَّكْرَارُ أَثْبَتُ مِنْ دَلَالَةِ الرُّكْنِ عَلَى التَّكْرَارِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ فَيُسَنُّ لَهُ التَّكْرَارُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الرُّكْنِ فَإِنَّ أَثَرَهُ) أَيْ الرُّكْنَ (فِي الْإِكْمَالِ وَهُوَ) أَيْ الْإِكْمَالُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (الْإِيعَابُ) بِالْمَسْحِ لِلْمَحَلِّ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ لَا فِي سُنِّيَّةِ التَّكْرَارِ لِانْتِفَائِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَرْكَانِ (وَكَقَوْلِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي) صَوْمِ (رَمَضَانَ) صَوْمٌ (مُتَعَيِّنٌ فَلَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ) فَيَسْقُطُ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّوْمِ إذْ التَّعْيِينُ أَثْبَتُ فِي سُقُوطِ التَّعْيِينِ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ صَوْمُ فَرْضٍ فِي دَلَالَةِ التَّعْيِينِ وَكَيْفَ لَا (وَهُوَ) أَيْ التَّعْيِينُ شَرْعًا (وَصْفٌ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ) فِي سُقُوطِ التَّعْيِينِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَائِرِ الْمُتَعَيِّنَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَفِي الْكَثِيرِ مِنْهَا كَمَا (فِي الْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبِ) أَيْ دِرْهَمًا (وَرَدِّ الْمَبِيعِ فِي) الْبَيْعِ (الْفَاسِدِ) إلَى الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الرَّدُّ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ يَقَعُ عَنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِوُجُودِ تَعَيُّنِ الْمَحَلِّ لِذَلِكَ شَرْعًا (وَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ) وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ (لَا يُشْتَرَطُ) فِي خُرُوجِهِ بِهِ عَنْ الْفَرْضِ (تَعْيِينُ نِيَّةِ الْفَرْضِ بِهِ) مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى الْفَرَائِضِ بَلْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ لِكَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا غَيْرَ مُتَنَوِّعٍ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِخِلَافِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْفَرْضِيَّةُ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ إلَّا الِامْتِثَالَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا تَعْيِينَ النِّيَّةِ حَتَّى أَنَّ الْحَجَّ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ أَثَرُهُ مُخْتَصًّا بِبَعْضِ الْعِبَادَاتِ.
(وَأَمَّا كَثْرَةُ الْأُصُولِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا جِنْسُ الْوَصْفِ) فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِ الْحُكْمِ (أَوْ عَيْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِلشَّافِعِيَّةِ) فِي الْمَقْصِدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ (فَقِيلَ لَا تُرَجَّحُ) الْوَصْفُ الْكَائِنَةُ لَهُ عَلَى الْوَصْفِ الْعَارِيَ عَنْهَا وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ (كَكَثْرَةِ الرُّوَاةِ) أَيْ كَالتَّرْجِيحِ بِهَا إذَا لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ الشُّهْرَةِ أَوْ التَّوَاتُرِ وَالْخَبَرُ لَا يُرَجَّحُ بِهِمَا فَالْوَصْفُ لَا يَتَرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ (وَلِأَنَّ كُلَّ أَصْلٍ كَعِلَّةٍ) عَلَى حِدَةٍ (فَبِالْقِيَاسِ) أَيْ فَالتَّرْجِيحُ بِهَذَا النَّوْعِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (نَعَمْ) أَيْ تُرَجِّحُ كَثْرَةُ الْأُصُولِ الْوَصْفَ الْكَائِنَةَ لَهُ عَلَى الْوَصْفِ الْعَارِي عَنْهَا (لِأَنَّ مَرْجِعَهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي هُوَ كَثْرَةُ الْأُصُولِ (اشْتِهَارُ الدَّلِيلِ أَيْ الْوَصْفِ) هُنَا فَصَارَ الْوَصْفُ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ مِنْ كَثْرَةِ الْأُصُولِ (كَالْخَبَرِ الْمُشْتَهِرِ) .
وَإِذَا كَانَ الْخَبَرُ يَتَرَجَّحُ بِالشُّهْرَةِ فَكَذَا الْوَصْفُ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ لِأَنَّهَا شُهْرَةٌ لَهُ (فَازْدَادَ ظَنُّ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ حُكْمَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ بِهَذِهِ الْوَسَاطَةِ (بِخِلَافِ مَا) أَيْ الْوَصْفِ (إذَا لَمْ يَبْلُغْهَا) أَيْ لَمْ يَتَّصِفْ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلْ لَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ الظَّنِّ كَالْخَبَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute