للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا عِبْرَةَ بِبَاقِي الِاحْتِمَالَاتِ (وَإِلَّا انْتَفَى) الْقَطْعُ (عَنْ السَّمْعِيَّاتِ) لِطُرُوقِهِ لَهَا بَلْ لَوْ اُعْتُبِرَ لَمْ يَصِحَّ التَّمَسُّكُ بِشَيْءٍ مِنْهَا.

(وَأَمَّا ظُهُورُ كَوْنِهِ) أَيْ الِاعْتِبَارِ (فِي الِاتِّعَاظِ بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ السَّبَبِ) الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْمُ (وَلِبُعْدِ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ (فَقِيسُوا الذُّرَةَ بِالْبُرِّ) كَمَا هُوَ لَازِمُ الِاسْتِدْلَالِ لِانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ (فَالْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ) لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ فَانْتَفَى الْأَوَّلُ وَظَهَرَ كَوْنُهُ فِي الِاتِّعَاظِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِهَذَا (انْتَفَى الثَّانِي) أَيْضًا وَهُوَ بُعْدُ تَرْتِيبِ فَاعْتَبِرُوا عَلَيْهِ (إذْ الْمُرَتَّبُ) عَلَى السَّبَبِ الْمَذْكُورِ الِاعْتِبَارُ (الْأَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ قِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ (أَيْ فَاعْتَبِرُوا الشَّيْءَ بِنَظِيرِهِ فِي مَنَاطِهِ فِي الْمَثُلَاتِ) أَيْ الْعُقُوبَاتِ جَمْعُ مَثُلَةٍ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا (وَغَيْرِهَا وَهَذَا) الطَّرِيقُ فِي إثْبَاتِ التَّكْلِيفِ بِالْقِيَاسِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ مِنْ الْآيَةِ (أَيْسَرُ مِنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِهِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ مِنْهَا (دَلَالَةً) كَمَا تَنَزَّلَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ وَطَرِيقُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ هَلَاكَ قَوْمٍ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ اعْتِزَازُهُمْ بِالْقُوَّةِ وَالشَّوْكَةِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاعْتِبَارِ لِيَكُفَّ عَنْ مِثَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ لِئَلَّا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْجَزَاءِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِلَّةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِحُكْمِهَا فَكَذَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ وَهَذَا الْمَعْنَى يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ فَيَكُونُ مَفْهُومًا بِطَرِيقِ اللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَيَكُونُ دَلَالَةَ نَصٍّ لَا قِيَاسًا حَتَّى لَا يَكُونَ إثْبَاتُ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ بَلْ فِي التَّلْوِيحِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَاءَ بَلْ صَرِيحُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَا يَقْتَضِي الْعِلَّةَ التَّامَّةَ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةُ وُجُوبِ الِاتِّعَاظِ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ السَّابِقَةَ غَايَةُ فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ لَهَا دَخْلٌ فِي ذَلِكَ.

وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ عَلِمَ وُجُودَ السَّبَبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ بَلْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّحْقِيقِ مِمَّا يَشُكُّ فِيهِ الْأَفْرَادُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِنْ دَلَالَةِ النَّصِّ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (إذْ لَا يَفْهَمُ مَنْ فَهِمَ اللُّغَةَ الْأَمْرَ بِالْقِيَاسِ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ) الْأَمْرِ بِ (الِاتِّعَاظِ) وَقَدْ أُجِيبَ أَوَّلًا بِأَنَّ الْفَاءَ تَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَظَاهِرٌ أَنْ لَا عِلَّةَ هُنَا لِوُجُوبِ الِاتِّعَاظِ سِوَى الْقَضِيَّةِ السَّابِقَةِ فَتَكُونُ كُلُّ الْعِلَّةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهَا لَهَا دَخْلٌ فِي الْعِلَّةِ تَثْبُتُ أَيْضًا أَنَّ لَهَا دَلَالَةً عَلَى الْعِلِّيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَثَانِيًا بِأَنَّ التَّحْقِيقَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشُكَّ فِيهِ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ فَلَوْ شَكَّ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِاللُّغَةِ أَوْ مِمَّنْ يُظْهِرُ الشَّكَّ عِنَادًا، هَذَا وَالشَّرْطُ فِي دَلَالَةِ النَّصِّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ ثَابِتًا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لُغَةً بِحَيْثُ يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللِّسَانِ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَنَاطُ الْحُكْمِ مِمَّا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللِّسَانِ (وَأَيْضًا قَدْ تَوَاتَرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَإِنْ كَانَتْ التَّفَاصِيلُ آحَادًا كَمَا تَقِفُ الْآنَ عَلَيْهِ عَنْ أَعْيَانٍ مِنْهُمْ.

(وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ فِي مِثْلِهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ (بِأَنَّهُ) إنَّمَا يَكُونُ (عَنْ قَاطِعٍ فِيهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهُ عَلَى التَّعْيِينِ (وَأَيْضًا شَاعَ مُبَاحَثَتُهُمْ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ (وَتَرْجِيحُهُمْ) الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ (بِلَا نَكِيرٍ) لِذَلِكَ (فَكَانَ) ذَلِكَ (إجْمَاعًا مِنْهُمْ فِي حُجِّيَّتِهِ لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ حُجَّةً (فِي مِثْلِهِ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ لَا سُكُوتًا) يُفِيدُ الظَّنَّ (وَحَدِيثُ مُعَاذٍ) الْمُفِيدُ حُجِّيَّةَ الْقِيَاسِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ مُخَرَّجًا فِي مَسْأَلَةٍ وَلَيْسَتْ لُغَوِيَّةً مَبْدَئِيَّةُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ (يُفِيدُ طُمَأْنِينَةً) وَهُوَ فَوْقَ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ بِالْآحَادِ (فَإِنَّهُ) أَيْ حَدِيثَهُ (مَشْهُورٌ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ) فَيَثْبُتُ بِهِ الْحُصُولُ فَإِنْ قِيلَ الِاجْتِهَادُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَالْحُكْمِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْقِيَاسُ الْمَنْصُوصُ الْعِلَّةُ وَالِاسْتِنْبَاطُ مِنْ النُّصُوصِ الْخَفِيَّةِ الدَّلَالَةِ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْجَوَازِ لِغَيْرِ مُعَاذٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ احْتِيَاجِهَا إلَى الِاجْتِهَادِ هِيَ مَا تُوجَدُ فِي الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْصُوصَ الْعِلَّةِ فَقَطْ لَمَا سَكَتَ الشَّارِعُ لِبَقَاءِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ الَّتِي تَبْتَنِي عَلَى قِيَاسٍ غَيْرِ مَنْصُوصِ الْعِلَّةِ (وَكَوْنُ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَنْصُوصِ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ) أَيْ مُعَاذٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>