للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَرْعِ دَلَالَةً) أَيْ مَعْنًى (فَلَيْسَ) كَذَلِكَ (وَإِلَّا فَكُلُّ قِيَاسٍ مَفْهُومٌ مُوَافَقَةً) لِأَنَّهُ الَّذِي شَأْنُهُ هَذَا (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ كَوْنُ الْقُرْآنِ أَفَادَ الْأُصُولَ بِالنَّصِّ وَالْفُرُوعَ بِالدَّلَالَةِ (مَمْنُوعٌ فِي) الْأَشْيَاءِ (السِّتَّةِ) الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ (أُصُولُ الرِّبَا) الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَ) فِي (كَثِيرٍ) مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا (بَلْ) بَيَانُ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ إنَّمَا هُوَ (بِالسُّنَّةِ فَقَطْ وَحَدِيثُ) «لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسْتَقِيمًا حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ أَوْلَادُ السَّبَايَا وَقَاسُوا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا كَانَ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِي سَنَدِهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ فِيهِ مَقَالٌ وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ (لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ) وَهُوَ إظْهَارُ مَا قَدْ كَانَ وَرَدُّ مَشْرُوعٍ إلَى نَظِيرِهِ فِي حُكْمِهِ بِالْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهُمَا بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقِيسُونَ فِي نَصْبِ الشَّرَائِعِ بِالْآرَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا بِمَا كَانَ مَشْرُوعًا جَهْلًا مِنْهُمْ وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ أَشَدُّ النَّاسِ نَكِيرًا لِذَلِكَ (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ لَهُ سَمْعًا أَيْضًا (أَرْشَدُ إلَى تَرْكِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (بِإِيجَابِ الْحَمْلِ عَلَى الْأَصْلِ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ (فِيمَا لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ) فِيهِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ فَكُلُّ مَا لَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُحَرَّمًا لَا يَكُونُ مُحَرَّمًا بَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ.

(الْجَوَابُ) هَذَا (إنَّمَا يُفِيدُ مَنْعَ إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ ابْتِدَاءً بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِمَنْعِ إثْبَاتِهَا ابْتِدَاءً بِهِ (نَقُولُ كَمَا) نَقُولُ بِامْتِنَاعِهِ فِيمَا (لَمْ يُدْرَكْ مَنَاطُهُ قَالُوا) أَيْضًا الْقِيَاسُ (ظَنِّيٌّ) فَلَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ حَقِّ الشَّارِعِ بِهِ وَهُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْبَيَانِ الْقَطْعِيِّ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ كَالشُّبُهَاتِ لِعَجْزِهِمْ عَنْ الْإِثْبَاتِ بِقَطْعِيٍّ (لَا) أَنَّهُ (كَخَبَرِ الْوَاحِدِ) فَإِنَّهُ بَيَانٌ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ قَطْعِيٌّ وَإِنَّمَا تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي طَرِيقِ الِانْتِقَالِ إلَيْنَا فَأَثَّرَ تَمَكُّنُهَا فِي انْتِفَاءِ الْيَقِينِ وَخَرَجَ الْخَبَرُ بِهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً مُوجِبَةً لِلْعِلْمِ كَالنَّصِّ الْمُؤَوَّلِ (وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ تَقْدِيمِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْقِيَاسِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ الْخَبَرِ الْحَاصِلِ الْآنَ وَهُوَ مَظْنُونٌ كَالْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ عِنْدَنَا مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ كَمَا أَنَّ الْخَبَرَ أَصْلُهُ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ لِأَنَّ الْوَصْفَ كَالْخَبَرِ وَالتَّعْلِيلَ كَالرِّوَايَةِ فَكَمَا احْتَمَلَتْ الرِّوَايَةُ الْغَلَطَ احْتَمَلَ التَّعْلِيلُ الْغَلَطَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْعِبَادِ سَاقِطٌ لِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا لِأَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمَعَ ذَلِكَ أُطْلِقَ لَنَا الْعَمَلُ بِالرَّأْيِ فِيهِ إمَّا التَّحْقِيقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وَسِعْنَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْأَحْكَامِ (ثُمَّ بَعْدَ جَوَازِهِ) أَيْ تَكْلِيفِ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ مَنَاطِ الْحُكْمِ (وَقَعَ) التَّكْلِيفُ بِهِ (سَمْعًا قِيلَ ظَنًّا لِأَبِي الْحُسَيْنِ وَلِذَا) أَيْ وُقُوعِهِ ظَنًّا عِنْدَهُ (عَدَلَ) فِي إثْبَاتِهِ (إلَى مَا تَقَدَّمَ) مِنْ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ فَإِنَّ السَّمْعِيَّ يُفِيدُ ظَنَّ إيجَابِ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ وَإِثْبَاتُ أَصْلٍ دِينِيٍّ ثَبَتَ بِهِ الْأَحْكَامُ لَا يَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ.

(وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ الْأَكْثَرُ وَقَعَ (قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ رَدُّ الشَّيْءِ إلَى نَظِيرِهِ بِأَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْأَصْلُ الَّذِي تُرَدُّ إلَيْهِ النَّظَائِرُ عِبْرَةً وَهَذَا يَشْمَلُ الِاتِّعَاظَ وَالْقِيَاسَ الْعَقْلِيَّ وَالشَّرْعِيَّ وَلَا شَكَّ أَنَّ سَوْقَ الْآيَةِ لِلِاتِّعَاظِ فَتَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةً وَعَلَى الْقِيَاسِ إشَارَةً (وَكَوْنُهُ) أَيْ اعْتَبِرُوا (مَخْصُوصًا بِمَا انْتَفَتْ شَرَائِطُهُ) أَيْ خُصَّ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ مَا انْتَفَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْقِيَاسِ (وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ) أَيْ اعْتَبِرُوا (لِلنَّدْبِ وَ) احْتِمَالُ (كَوْنِهِ) أَيْ اعْتَبِرُوا خِطَابًا (لِلْحَاضِرِينَ) فَقَطْ (وَ) احْتِمَالُ (إرَادَةِ الْمَرَّةِ) مِنْ الِاعْتِبَارِ (وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ) فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ وُجُوبُ الْعَمَلِ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ بِكُلِّ قِيَاسٍ صَحِيحٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ جَوَابُهُ أَنَّ اعْتَبِرُوا فِي مَعْنَى افْعَلُوا الِاعْتِبَارَ وَهُوَ عَامٌّ وَالتَّخْصِيصُ الْمَذْكُورُ (لَا يَنْفِي الْقَطْعَ بِهِ) أَيْ بِمَا عَدَاهُ (لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالْعَقْلِ) عَلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْعُمُومِ فَالْإِطْلَاقُ كَافٍ وَلَفْظُ {أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] يَعُمُّ الْمُجْتَهِدِينَ بِلَا نِزَاعٍ (وَلَيْسَ بِكُلِّ تَجْوِيزٍ عَقْلِيٍّ يَنْتَفِي الْقَطْعُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>