للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ.

(وَكَوْنُ الْوَصْفِ خَفِيًّا كَالرِّضَا) فِي الْعُقُودِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى (وَيُجَابُ بِضَبْطِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (بِظَاهِرٍ كَالصِّيغَةِ) أَيْ بِضَبْطِ الرِّضَا بِصِيَغِ الْعُقُودِ وَهَذَا ثَالِثُ الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (غَيْرَ مُنْضَبِطٍ كَالْحِكَمِ) جَمْعُ حِكْمَةٍ وَهِيَ الْأَمْرُ الْبَاعِثُ مِنْ الْمَقَاصِدِ (وَالْمَصَالِحِ) أَيْ مَا يَكُونُ لَذَّةً أَوْ وَسِيلَةً إلَى لَذَّةٍ (كَالْحَرَجِ وَالزَّجْرِ لِأَنَّهَا) أَيْ الْحِكَمَ وَالْمَصَالِحَ (مَرَاتِبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعِلَّةِ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا (وَجَوَابُهُ بِإِبْدَاءِ الضَّابِطِ بِنَفْسِهِ) كَمَا يُقَالُ فِي الْمَشَقَّةِ وَالْمَضَرَّةِ إنَّهُمَا مُنْضَبِطَانِ عُرْفًا (أَوْ) أَنَّ الْوَصْفَ (نِيطَ بِمُنْضَبِطٍ كَالسَّفَرِ) نِيطَ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ بِهِ (وَالْحَدِّ) نِيطَ الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ فِي حُصُولِ الزَّجْرِ بِهِ وَهَذَا رَابِعُ الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ (وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْحَنَفِيَّةُ لَا لِاخْتِصَاصِهَا بِالْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّ هَذَا) أَيْ انْتِفَاءَهَا (اتِّفَاقٌ بَلْ لِأَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ (انْتِفَاءُ لَوَازِمِ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ مُطْلَقًا) أَيْ بِأَيِّ مَسْلَكٍ كَانَ (كَمَا تَقَدَّمَ) فِي فَصْلِ الْعِلَّةِ.

(وَمَعْلُومٌ أَنَّ بِانْتِفَاءِ لَازِمِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ (يَتَّجِهُ إيرَادُهُ) أَيْ انْتِفَائِهَا (إذْ يُوجِبُ) انْتِفَاءُ لَازِمِهَا (انْتِفَاءَهَا) لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ (فَهُوَ) أَيْ انْتِفَاءُ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ (مَعْلُومٌ مِنْ الشُّرُوطِ) لَهَا (وَمَنْعُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (بَعْضَهَا) أَيْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ (وَهُوَ مَرْجِعُ الثَّانِي وَالرَّابِعِ) مِنْ مَنْعِ التَّأْثِيرِ (لِمَنْعِهِمْ الْمُعَارَضَةَ لِعِلَّةِ الْأَصْلِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) إذَا أَفْضَتْ النَّوْبَةُ إلَى الْكَلَامِ فِيهَا (وَذَكَرُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (مَنْعَ الشُّرُوطِ) لِلتَّعْلِيلِ وَصَحَّ فِيهَا لِأَنَّ شَرْطَ دَلِيلِ وُجُوبِ الْعَمَلِ سَابِقٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ ثُمَّ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ لَمْ يَشْتَرِطَا كَوْنَ الشَّرْطِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ (وَقَيَّدَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَحَلَّهُ) أَيْ مَنْعِ الشَّرْطِ (بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ) فَقَالَ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ شَرْطٌ مِنْهَا وَهُوَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ عُدِمَ فِي الْفَرْعِ أَوْ الْأَصْلِ (فَيَتَّجِهُ) الْمَنْعُ (عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فَيُفِيدُ مَنْعُهُ بُطْلَانَ التَّعْلِيلِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَأَمَّا إذَا مَنَعَ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَقُولُ الْمُعَلِّلُ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدِي فَلَا يَضُرُّ عَدَمُهُ فَحِينَئِذٍ يُؤَوَّلُ الْكَلَامُ إلَى أَنَّ مَانِعَهُ شَرْطٌ أَمْ لَا فَيُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ إذْ الْمَقْصُودُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لَا إثْبَاتُ شَرْطِ الْقِيَاسِ قُلْت وَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ شَرَطَ أَنْ يَمْنَعَ الشَّارِطُ وُجُوبَ شَرْطٍ هُوَ شَرْطٌ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ السَّائِلِ وَالْمُجِيبِ فَأَشَارَ إلَى أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ الْإِجْمَاعَ الْمُطْلَقَ هَذَا وَفِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ.

وَمَعَ هَذَا لَوْ مَنَعَ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ إلْزَامِ الْمُعَلِّلِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الِانْتِقَالُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ اهـ قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ هَذَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَلَامِ أَبِي زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيِّ فَإِنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْمَنْعِ الشَّرْطُ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَهُ وَهُمَا لَمْ يَنْفِيَاهُ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْمَنْعِ عِنْدَهُمَا الشَّرْطُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ لَمْ يَنْفِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْأَتْقَانِيِّ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِمَا كَوْنَ الشَّرْطِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ عِنْدِي لِأَنَّ قَوْلَ الْمُجِيبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى السَّائِلِ فَيُثْبِتُ الْمُجِيبُ مَا ادَّعَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَقْبَلُهُ السَّائِلُ أَوْ يَسْكُتُ عَنْ إنْكَارِهِ يُوهِمُ أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ يُخَالِفُ هَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَقَدْ مَثَّلَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ السَّلَمُ الْحَالُّ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ أَحَدُ عِوَضَيْ الْبَيْعِ فَيَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا كَثَمَنِ الْمَبِيعِ فَيُقَالُ لَهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ شُرُوطَ التَّعْلِيلِ مَوْجُودَةٌ فِي هَذَا فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِهِ بِالِاتِّفَاقِ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ حُكْمُ النَّصِّ بَعْدَ التَّعْلِيلِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ وَقَدْ تَغَيَّرَ هُنَا لِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا مَمْلُوكًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَالشَّرْعُ نَقَلَ الْقُدْرَةَ الْحَقِيقِيَّةَ فِي الْبَيْعِ إلَى الْقُدْرَةِ الِاعْتِبَارِيَّةِ فِي السَّلَمِ بِذِكْرِ الْأَجَلِ فَصَارَ ذَلِكَ رُخْصَةَ نَقْلٍ إلَى خَلَفٍ فَلَوْ جَازَ السَّلَمُ حَالًّا لَصَارَ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ لَا إلَى خَلَفٍ فَكَانَ تَغْيِيرًا لِحُكْمِ النَّصِّ وَالسَّلَمُ مَعْدُولٌ عَنْ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ.

(رَابِعُهَا) أَيْ الْمُنُوعِ الْوَارِدَةِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (النَّقْضُ وَتُسَمِّيهِ الْحَنَفِيَّةُ الْمُنَاقَضَةُ وَهِيَ لِلْجَدَلِيِّينَ مَنْعُ مُقَدِّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ الدَّلِيلِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ السَّنَدِ أَوْ لَا وَقَدْ سَلَفَ أَنَّ السَّنَدَ مَا كَانَ الْمَنْعُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ وَلِلسَّنَدِ صِيَغٌ ثَلَاثٌ إحْدَاهَا لَا نُسَلِّمُ هَذَا لِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>