(بَعْضُ مُقَدِّمَاتِهِ نَظَرِيَّةٌ) وَهِيَ الصُّغْرَى فَإِنَّ الْكُبْرَى بَيِّنَةٌ (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ (إنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ) أَيْ وُجُودُ السَّبَبِ أَوْ الْمَانِعُ أَوْ فَقْدُ الشَّرْطِ (بِأَحَدِهَا) وَهُوَ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ بِغَيْرِهَا أَيْ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ (فَاسْتِدْلَالٌ وَإِلَّا) فَإِنْ ثَبَتَ بِأَحَدِهَا (فَبِأَحَدِهَا) أَيْ فَهُوَ ثَابِتٌ بِأَحَدِهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ لَا بِالِاسْتِدْلَالِ (وَعَلَى هَذَا) التَّفْصِيلِ (يَرِدُ الِاسْتِدْلَال مُطْلَقًا إلَى أَحَدِهَا إذْ ثُبُوتُ ذَلِكَ التَّلَازُمِ لَا بُدَّ فِيهِ شَرْعًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَحَدِهَا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّلَازُمُ ثَابِتًا شَرْعًا بِأَحَدِهَا (فَلَيْسَ) ذَلِكَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ (حُكْمًا شَرْعِيًّا) لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِأَحَدِهَا.
(فَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِدْلَالَ (كَيْفِيَّةُ اسْتِدْلَالٍ) بِأَحَدِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ (لَا) دَلِيلَ (آخَرَ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ وَتَقَدَّمَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا) قَبْلَ فَصْلِ التَّعَارُضِ بِمَسْأَلَتَيْنِ (وَيُرَدُّ إلَى الْكِتَابِ) بِقَصِّهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ (وَالسُّنَّةِ) بِقَصِّهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ (وَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ) وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ (وَرُدَّ إلَى السُّنَّةِ) حَيْثُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَلِيهَا فَصْلُ التَّعَارُضِ (وَرُدَّ الِاسْتِصْحَابُ إلَى مَا بِهِ ثَبَتَ الْأَصْلُ الْمَحْكُومُ بِاسْتِمْرَارِهِ)
(فَهُوَ) أَيْ الِاسْتِصْحَابُ (الْحُكْمُ) ظَنًّا (بِبَقَاءِ أَمْرٍ تَحَقَّقَ) سَابِقًا (وَلَمْ يَظُنَّ عَدَمَهُ) بَعْدَ تَحَقُّقِهِ (وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) السَّمَرْقَنْدِيِّينَ مِنْهُمْ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَالْحَنَابِلَةُ (مُطْلَقًا) أَيْ لِلْإِثْبَاتِ وَالدَّفْعِ (وَنَفَاهُ) أَيْ كَوْنَهُ حُجَّةً (كَثِيرٌ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُتَكَلِّمُونَ (مُطْلَقًا) أَيْ لِلْإِثْبَاتِ وَالدَّفْعِ (وَأَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعُوهُمْ قَالُوا هُوَ حُجَّةٌ (لِلدَّفْعِ) لَا لِلْإِثْبَاتِ (وَالْوَجْهُ لَيْسَ حُجَّةٌ) أَصْلًا كَمَا قَالَ الْكَثِيرُ (وَالدَّفْعُ اسْتِمْرَارُ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الطَّارِئِ (الْأَصْلِيِّ) عَلَى مَا تَحَقَّقَ وُجُودُهُ (لِأَنَّ مُوجِبَ الْوُجُودِ لَيْسَ مُوجِبَ بَقَائِهِ) أَيْ الْوُجُودِ وَكَيْفَ لَا وَبَقَاءُ الشَّيْءِ غَيْرُ وُجُودِهِ لِأَنَّهُ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ بَعْدَ الْحُدُوثِ (فَالْحُكْمُ بِبَقَائِهِ) أَيْ الْوُجُودِ يَكُونُ (بِلَا دَلِيلٍ قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِحُجِّيَّتِهِ مُطْلَقًا الْحُكْمُ ظَنًّا بِالْبَقَاءِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الِاسْتِصْحَابِ أَمْرٌ (ضَرُورِيٌّ لِتَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الْحُكْمِ ظَنًّا بِالْبَقَاءِ الْمَذْكُورِ (مِنْ إرْسَالِ الرُّسُلِ وَالْكُتُبِ وَالْهَدَايَا) مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْلَا الْحُكْمُ ظَنًّا بِالْبَقَاءِ الْمَذْكُورِ لَكَانَ ذَلِكَ سَفَهًا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِذْ ثَبَتَ الْحُكْمُ ظَنًّا بِالْبَقَاءِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ مُتَّبَعٌ كَمَا عُرِفَ.
(وَمِنْهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّتِهِ مُطْلَقًا (مَنْ اسْتَبْعَدَهُ) أَيْ كَوْنَهُ حُجَّةً بِالضَّرُورَةِ (فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَعَدَلُوا إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَمْ يَجْزِمْ بِبَقَاءِ الشَّرَائِعِ مَعَ احْتِمَالِ الرَّفْعِ) أَيْ طَرَيَانِ النَّاسِخِ وَاللَّازِمِ بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِبَقَاءِ شَرِيعَةِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بِعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقَاءِ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَدًا (وَ) إلَى (الْإِجْمَاعِ) أَيْضًا (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ أَيْ اعْتِبَارُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفُرُوعِ كَمَا (فِي نَحْوِ بَقَاءِ الْوُضُوءِ وَالْحَدَثِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالْمِلْكِ) إذَا ثَبَتَ (مَعَ طُرُوِّ الشَّكِّ) فِي طَرَيَانِ الضِّدِّ (وَأُجِيبَ) عَنْ الْأَوَّلِ (بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ لِجَوَازِهِ) أَيْ الْجَزْمِ بِبَقَائِهَا وَالْقَطْعِ بِعَدَمِ نَسْخِهَا (بِغَيْرِهِ) أَيْ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ الِاسْتِصْحَابِ (كَتَوَاتُرِ إيجَابِ الْعَمَلِ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ لِأَهْلِهَا (إلَى ظُهُورِ النَّاسِخِ) وَوُجُودِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا نَسْخَ لِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَتِلْكَ الْفُرُوعُ) لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ بَلْ (لِأَنَّ الْأَسْبَابَ تُوجِبُ أَحْكَامًا مُمْتَدَّةً) مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَعَدَمِ جَوَازِهَا وَحِلِّ الْوَطْءِ وَالِانْتِفَاعِ بِحَسَبِ وَضْعِ الشَّارِعِ (إلَى ظُهُورِ النَّاقِضِ شَرْعًا وَاعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ الْخِلَافِ) فِي كَوْنِ الِاسْتِصْحَابِ حُجَّةً أَوْ لَا مَبْنِيٌّ (عَلَى أَنَّ سَبْقَ الْوُجُودِ مَعَ عَدَمِ ظَنِّ الِانْتِفَاءِ هَلْ هُوَ دَلِيلُ الْبَقَاءِ فَقَالُوا) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ (نَعَمْ فَلَيْسَ الْحُكْمُ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِصْحَابِ حُكْمًا (بِلَا دَلِيلٍ وَالْحَنَفِيَّةُ) قَالُوا (لَا إذْ لَا بُدَّ فِي الدَّلِيلِ مِنْ جِهَةٍ يَسْتَلْزِمُ بِهَا) الْمَطْلُوبَ (وَهِيَ) أَيْ الْجِهَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لَهُ (مُنْتَفِيَةٌ) فِي حَقِّ الْبَقَاءِ (فَتَفَرَّعَتْ الْخِلَافِيَّاتُ) بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (فَيَرِثُ الْمَفْقُودُ) مِنْ مَاتَ مِنْ وَرَثَتِهِ فِي غَيْبَتِهِ (عِنْدَهُ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute