وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَالْحَقُّ فِي النَّفَقَةِ أَنَّ الزَّوْجَ أَخَذَ بِدِيَانَتِهِ الصِّحَّةَ) لِنِكَاحِ مَحْرَمِهِ حَيْثُ نَكَحَهَا؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْتَزَمَ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا وَدِيَانَتُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ (فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ غَيْرِهِ) ، وَهُوَ النَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ الزَّوْجَةِ (لِمُنَازَعَتِهِ بَعْدَهُ) أَيْ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَمْ يُوجَدْ (بِخِلَافِ مَنْ لَيْسَ فِي نِكَاحِهِمَا) كَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَالْمُرَادُ مَنْ لَيْسَ مُشَارِكًا لِلْبِنْتِ الزَّوْجَةِ وَأَبِيهَا الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ لَهُ
وَالْأَظْهَرُ مَنْ لَيْسَ فِي نِكَاحِهِ (وَهُوَ الْبِنْتُ الْأُخْرَى) الَّتِي لَيْسَتْ بِمَنْكُوحَةٍ لَهُ لِفَوَاتِ الِالْتِزَامِ مِنْهَا فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً هَذَا وَفِي الْمُحِيطِ وَكُلُّ نِكَاحٍ حُرِّمَ لِحُرْمَةِ الْمَحِلِّ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ خَمْسِ نِسْوَةٍ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَمَشَايِخُ الْعِرَاقِ يَقَعُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ دِيَانَتَهُمْ لَا تَصِحُّ إذَا لَمْ تُعْتَمَدْ شَرْعًا كَدِيَانَتِهِمْ اجْتِمَاعَ رَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَدِيَانَتِهِمْ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ لَا تُعْتَمَدُ شَرْعًا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا لِضَرُورَةِ إقَامَةِ النَّسْلِ حَالَ عَدَمِ الْأَجَانِبِ وَهُمْ يَدِينُونَ جَوَازَهُ فِي حَالَةِ كَثْرَةِ الْأَجَانِبِ فَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالْجَوَازِ بِدِيَانَتِهِمْ، وَمَشَايِخُنَا يَقَعُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ مَشْرُوعًا فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَالَ عَدَمِ الْأَجَانِبِ وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسْخُ حَالَ كَثْرَةِ الْأَجَانِبِ فَكَانَ مَشْرُوعًا فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَقَدْ اعْتَمَدُوا دِيَانَتَهُمْ جَوَازَ مَا كَانَ مَشْرُوعًا، وَقَدْ أَنْكَرُوا النَّسْخَ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسْخُ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ حُرْمَةُ الْخَمْرِ فِي حَقِّهِمْ انْتَهَى، وَهَذَا يُفِيدُ أَنْ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْجَهَ مَا عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ، وَمِنْهُمْ الْقُدُورِيُّ لَا الْقَوْلُ الْآخَرَ، وَإِنْ اخْتَارَهُ أَبُو زَيْدٍ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حِلَّ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ فِي الْجُمْلَةِ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ حُكْمًا أَصْلِيًّا بَلْ كَانَ حُكْمًا ضَرُورِيًّا لِتَحْصِيلِ النَّسْلِ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ النَّسْلُ أَصْلًا، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُحِلَّ فِي شَرْعِهِ لِلرَّجُلِ أُخْتَهُ الَّتِي فِي بَطْنِهِ وَحَلَّتْ لَهُ أُخْتُهُ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِالْبُعْدَى عَنْ الْقُرْبَى وَإِلَّا لَحَلَّتْ الْقُرْبَى كَالْبُعْدَى ثُمَّ لَمَّا ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِكَثْرَةِ النَّسْلِ نُسِخَ حِلُّ تِلْكَ الْأَخَوَاتِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَحْكِيَّ فِي عَامَّةِ كُتُبِ أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا بِالِاتِّفَاقِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَيَلْزَمُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اتِّفَاقُ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِأَحْكَامِ النِّكَاحِ غَيْرَ أَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ بِبُلُوغِهِ إلَيْهِ، وَالشُّهْرَةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَمُقْتَضَى النَّظَرِ التَّفْصِيلُ وَفِي الْبَدِيعِ الْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ هِيَ حُرُمَاتٌ عِنْدَنَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَعَلَى طَرِيقِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَمْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي الْحَالِ فَهِيَ بِعَرْضِ أَنْ تَصِيرَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي الثَّانِي بِالتَّخَلُّلِ، وَالتَّخْلِيلِ، وَوُجُوبُ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ يَعْتَمِدُ كَوْنَ الْمَحِلِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُتْلَفِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي الْجُمْلَةِ وَلَا نَقِفُ عَلَى ذَلِكَ لِلْحَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُهْرَ، وَالْجَحْشَ وَمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي الْحَالِ مَضْمُونٌ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ،.
وَالثَّانِي أَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَنَا عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ بِالْمَنْعِ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ حِسًّا لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» ، وَقَدْ دَانُوا شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلَ الْخِنْزِيرِ فَلَزِمَنَا تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَنَفْيُ الضَّمَانِ بِالْغَصْبِ، وَالْإِتْلَافُ يُفْضِي إلَى التَّعَرُّضِ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا غَصَبَ، أَوْ أَتْلَفَ لَا يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ يُقْدِمُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ مَنْعُهُمْ وَتَعَرَّضَ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى انْتَهَى.
وَهَذَا أَيْضًا يُفِيدُ فَسَادَ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ فَهَذَا هُوَ الْجَهْلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْجَهْلِ الثَّلَاثَةِ
(وَجَهْلِ الْمُبْتَدِعِ كَالْمُعْتَزِلَةِ) وَمُوَافِقِيهِمْ (مَانِعِي ثُبُوتِ الصِّفَاتِ) الثُّبُوتِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ مِنْ الْحَيَاةِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْعِلْمِ، وَالْإِرَادَةِ، وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهَا لِلَّهِ تَعَالَى (زَائِدَةٌ) عَلَى الذَّاتِ عَلَى اخْتِلَافِ عِبَارَاتِهِمْ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ هُوَ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ لِنَفْسِهِ وَقِيلَ بِنَفْسِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الرَّاوِي (وَ) ثُبُوتُ (عَذَابِ الْقَبْرِ) ، وَإِنْكَارُهُ مَعْزُوٌّ فِي الْمَوَاقِفِ إلَى ضِرَارِ بْنِ عُمَرَ وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute