للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ اتَّفَقَ الْإِسْلَامِيُّونَ عَلَى حَقِّيَّةِ سُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ فِي الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْكُفَّارِ وَبَعْضِ الْعُصَاةِ فِيهِ وَنُسِبَ خِلَافُهُ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ مَنْ حَكَى ذَلِكَ عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَمْرو، وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَهُمْ بُرَآءُ مِنْهُ لِمُخَالَطَةِ ضِرَارٍ إيَّاهُمْ وَتَبِعَهُ قَوْمٌ مِنْ السُّفَهَاءِ الْمُعَانِدِينَ لِلْحَقِّ.

(وَ) ثُبُوتُ (الشَّفَاعَةِ) لِلرُّسُلِ، وَالْأَخْيَارِ وَخُصُوصًا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي الْعَرَصَاتِ وَبَعْدَ دُخُولِ النَّارِ (وَ) ثُبُوتُ (خُرُوجِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ) إذَا مَاتَ بِلَا تَوْبَةٍ مِنْ النَّارِ (وَ) ثُبُوتُ جَوَازِ (الرُّؤْيَةِ) لِلَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الِانْكِشَافِ التَّامِّ بِالْبَصَرِ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَهُ فَضْلًا عَنْ وُجُوبِهَا لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ (وَ) مِثْلُ (الشُّبْهَةِ لِمُثْبِتِيهَا) أَيْ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ لِلَّهِ تَعَالَى زَائِدَةً عَلَى الذَّاتِ لَكِنْ (عَلَى مَا يُفْضِي إلَى التَّشْبِيهِ) بِالْمَخْلُوقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] (لَا يَصْلُحُ عُذْرًا لِوُضُوحِ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ) عَلَى ثُبُوتِ الصِّفَاتِ الْمُشَارِ إلَيْهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُنَزَّهِ عَنْ التَّشْبِيهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهَا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ (لَكِنْ لَا يُكَفَّرُ) الْمُبْتَدِعُ فِي ذَلِكَ (إذْ تَمَسُّكُهُ بِالْقُرْآنِ، أَوْ الْحَدِيثِ، أَوْ الْعَقْلِ) فِي الْجُمْلَةِ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي مَوْضِعِهِ (وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) أَيْ وَلِمَا رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ» لَكِنْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ كَيْفَ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي صِحَّتِهِ عَنْ أَحْمَدَ نَظَرًا، فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ مَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ غَفَرَ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ هَلْ تُسَمُّونَ الذُّنُوبَ كُفْرًا، أَوْ شِرْكًا، أَوْ نِفَاقًا قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ: وَلَكِنَّا نَقُولُ مُؤْمِنِينَ مُذْنِبِينَ انْتَهَى.

قُلْت: وَالْأَوْلَى صِحَّتُهُ عَنْ أَحْمَدَ بِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَلَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا نُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ وَلَا نُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ» ، فَإِنَّهُ هُوَ وَحَدِيثُ «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» مُؤَوَّلٌ بِتَرْكِ جُحُودٍ أَوْ مُقَارَنَةِ كُفْرٍ، وَلَوْ كَانَ تَرْكُهَا كُفْرًا لَمَا أَمَرَ الشَّارِعُ بِقَضَائِهَا بِدُونِ تَجْدِيدِ إيمَانٍ (وَعَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ» ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا بَدَلَ فَاشْهَدُوا إلَخْ «فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ» كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: ١٨] » رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ بِعَبَّادٍ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا «فَاشْهَدُوا عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَيْ اشْهَدُوا لَهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ: لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي صِحَّةِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَصِدْقِ رُوَاتِهَا (وَجَمَعَ بَيْنَهُ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثِ (وَبَيْنَ) حَدِيثِ «افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَرِوَايَةٌ لِأَبِي دَاوُد مِلَّةً مَكَانَ " فِرْقَةً " وَلِأَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ لِأَبِي دَاوُد «ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ» .

وَلِلتِّرْمِذِيِّ «كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ وَاسْتَدْرَكَهُ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ مُنْفَرِدًا وَلَكِنْ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مِنْ رِوَايَةِ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ (أَنَّ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ الْمُتَّبِعُونَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>