الْعَقَائِدِ، وَالْخِصَالِ وَغَيْرُهُمْ يُعَذَّبُونَ، وَالْعَاقِبَةُ الْجَنَّةُ وَعَدُوُّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ) ، وَقَدْ ذَيَّلَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ الْمَوَاقِفَ بِذِكْرِهِمْ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ قَالَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لِلنَّهْيِ (وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ) أَيْ الْمُبْتَدِعَةِ (عَلَى غَيْرِهِمْ وَلَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] (وَعَدَمُهُ) أَيْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ (فِي الْخَطَّابِيَّةِ) مِنْ الرَّافِضَةِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِمْ فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الرَّاوِي (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِكُفْرِهِمْ بَلْ لِتَدَيُّنِهِمْ الْكَذِبَ فِيهَا لِمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ وَحَلَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ (وَإِذْ كَانُوا) أَيْ الْمُبْتَدِعَةُ (كَذَلِكَ) أَيْ غَيْرَ كُفَّارٍ (وَجَبَ عَلَيْنَا مُنَاظَرَتُهُمْ) لِإِزَالَةِ شُبْهَتِهِمْ وَإِظْهَارِ الصَّوَابِ فِيمَا نَحْنُ عَلَيْهِ لَهُمْ (وَأُورِدَ اسْتِبَاحَةُ الْمَعْصِيَةِ كُفْرٌ) وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَامَّتُهُمْ يَسْتَبِيحُهَا فَيَكُونُونَ كُفَّارًا
(وَأُجِيبَ) بِأَنَّ عَدَّ فِعْلِهَا مُبَاحًا إنَّمَا يَكُونُ كُفْرًا (إذَا كَانَ عَنْ مُكَابَرَةٍ وَعَدَمِ دَلِيلٍ بِخِلَافِ مَا) يَكُونُ (عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ) ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كُفْرًا (وَالْمُبْتَدِعُ مُخْطِئٌ فِي تَمَسُّكِهِ) بِمَا لَيْسَ عِنْدَ التَّحْقِيقِ بِدَلِيلٍ لِمَطْلُوبِهِ (لَا مُكَابِرٌ) لِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ (وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِسَرَائِرِ عِبَادِهِ)
هَذَا وَالْمُرَادُ بِالْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَمْ يَكْفُرْ بِبِدْعَتِهِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُذْنِبِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ: وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ هُوَ الْمُوَافِقُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْإِسْلَامِ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَحَشْرِ الْأَجْسَادِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ قَطْعًا مِنْ اعْتِقَادٍ رَاجِعٍ إلَى وُجُودِ إلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ إلَى حُلُولِهِ فِي بَعْضِ أَشْخَاصِ النَّاسِ، أَوْ إنْكَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ ذَمِّهِ، أَوْ اسْتِخْفَافِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ الْمُخَالِفُ فِي أُصُولٍ سِوَاهَا مِمَّا لَا نِزَاعَ أَنَّ الْحَقَّ فِيهِ وَاحِدٌ كَمَسْأَلَةِ الصِّفَاتِ وَخَلْقِ الْأَعْمَالِ وَعُمُومِ الْإِرَادَةِ وَقِدَمِ الْكَلَامِ وَلَعَلَّ إلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ مَاضِيًا بِقَوْلِهِ إذْ تَمَسُّكُهُ بِالْقُرْآنِ، أَوْ الْحَدِيثِ، أَوْ الْعَقْلِ إذْ لَا خِلَافَ فِي تَكْفِيرِ الْمُخَالِفِ فِي ضَرُورِيَّاتِ الْإِسْلَامِ مِنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَحَشْرِ الْأَجْسَادِ وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الْمُوَاظِبِ طُولَ الْعُمْرِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَكَذَا الْمُتَلَبِّسُ بِشَيْءٍ مِنْ مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَافِرًا بِلَا خِلَافٍ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي تَكْفِيرُ الْخَطَّابِيَّةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الرَّاوِي، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَدَمَ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الذَّنْبُ عَلَى مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ فَيَخْرُجَ الْمُكَفَّرُ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ: غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ إنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ يَعْتَقِدُ الشَّهَادَتَيْنِ فَتَكْفِيرُهُ صَعْبٌ وَمَا يَعْرِضُ فِي قَلْبِهِ مِنْ بِدْعَةٍ إنْ لَمْ تَكُنْ مُضَادَّةً لِذَلِكَ لَا يَكْفُرُ، وَإِنْ كَانَتْ مُضَادَّةً لَهُ، فَإِذَا فُرِضَتْ غَفْلَتُهُ عَنْهَا وَاعْتِقَادُهُ الشَّهَادَتَيْنِ مُسْتَمِرٌّ فَأَرْجُو أَنَّ ذَلِكَ يَكْفِيهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَكْثَرُ الْمِلَّةِ كَذَلِكَ وَيَكُونُ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا بِهِ كُفْرٌ لَا بُدَّ فِي إسْلَامِهِ مِنْ تَوْبَتِهِ عَنْهُ فَهَذَا مَحِلُّ نَظَرٍ.
وَجَمِيعُ هَذِهِ الْعَقَائِدِ الَّتِي يُكَفِّرُ بِهَا أَهْلُ الْقِبْلَةِ قَدْ لَا يَعْتَقِدُهَا صَاحِبُهَا إلَّا حِينَ بَحْثِهِ فِيهَا لِشُبْهَةٍ تَعْرِضُ لَهُ، أَوْ مُجَادَلَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ يَغْفُلُ عَنْهَا، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلشَّهَادَتَيْنِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمَوْتِ انْتَهَى فِيهِ مَا فِيهِ ثُمَّ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ فَقَالَ: وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا بِذَنْبٍ مِنْ الذُّنُوبِ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً إذَا لَمْ يَسْتَحِلَّهَا وَجَعَلَهُ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ عَلَى مَا فِي مُنْتَقَى الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ رُسْتُمَ عَنْ أَبِي عِصْمَةَ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ مَنْ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ فَقَالَ: مَنْ فَضَّلَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَحَبَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَلَمْ يُحَرِّمْ نَبِيذَ الْجَرِّ وَلَمْ يُكَفِّرْ وَاحِدًا بِذَنْبٍ وَرَأَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَآمَنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ وَلَمْ يَنْطِقْ فِي اللَّهِ بِشَيْءٍ قَالُوا: وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: لَا أَرُدُّ شَهَادَةَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ حِلَّ الْكَذِبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا يُفِيدُ كُفْرَهُمْ كَمَا سَلَفَ فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الرَّاوِي وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالصِّفَاتِ لَيْسَ جَهْلًا بِالْمَوْصُوفَاتِ وَقَالَ: اخْتَلَفْنَا فِي عِبَارَةٍ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ وَاحِدٌ قُلْت بَلْ قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ مَقَالَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute