للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى أَصْلِ الدَّلِيلِ بَعْدَ التَّنَزُّلِ نَحْوَ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِهِ ابْتِدَاءً فَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إجْمَاعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ لَا يُلْحَقُ بِهِ الْعَامِدُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْزَاءِ إنَّمَا هُوَ دَفْعُ الْحَرَجِ، وَهُوَ فِي النَّاسِي لَا فِي الْعَامِدِ ثُمَّ هَذَا فِي ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ، فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَيْهَا عَمْدًا فَفِي الدِّرَايَةِ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ.

وَصُورَةُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ وَتَرَكَهَا مَعَ ذِكْرِهَا أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا مَنْ لَا يَعْلَمُ اشْتِرَاطَهَا فَهُوَ فِي حُكْمِ النَّاسِي ذَكَرَهُ فِي الْحَقَائِقِ وَمَعَ قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] الْآيَةَ قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ الْمُعْتَادَ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُبَالَغَةً فِي الْبَيَانِ مَعَ أَنَّ حُضُورَهُنَّ فِي مَجَالِسِ الْحُكْمِ غَيْرُ مُعْتَادٍ بَلْ هُوَ حَرَامٌ بِلَا ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُنَّ أُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ فَلَوْ كَانَ يَمِينُ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدٍ حُجَّةً لَانْتَقَلَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَيْسَرَ وُجُودًا وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى مَا هُوَ غَيْرُ مُعْتَادٍ إذْ لَمْ يَتَحَقَّقْ ضَرُورَةٌ مُبِيحَةٌ لِحُضُورِهِنَّ لِإِمْكَانِ وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَكَانَ النَّصُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ دَالًّا عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ مَعَ الْيَمِينِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَالنَّصُّ وَإِنْ كَانَ فِي التَّحَمُّلِ لَكِنَّ فَائِدَةَ التَّحَمُّلِ الْأَدَاءُ فَهُوَ يُفْضِي إلَيْهِ وَأَيْضًا أَوَّلُ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: ٢٨٢] أَمْرٌ بِفِعْلِ الِاسْتِشْهَادِ، وَهُوَ مُجْمَلٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى عَدَدِ الشُّهُودِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: كُلُوا، فَإِنَّهُ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ تَنَاوُلِ الْمَأْكُولَاتِ فَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ تَفْسِيرًا لِذَلِكَ الْمُجْمَلِ وَبَيَانًا لِجَمِيعِ مَا هُوَ الْمُرَادُ، وَهُوَ اسْتِشْهَادُ رَجُلَيْنِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] كَقَوْلِهِ: كُلُوا الْخُبْزَ، وَاللَّحْمَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَالْخُبْزَ، وَالْجُبْنَ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي النَّصِّ هُوَ جَمِيعُ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ حُجَّةً إذْ لَوْ كَانَ حُجَّةً لَبَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَعْرِضِ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْبَيَانِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] وَأَيْضًا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ أَدْنَى مَا تَنْتَفِي بِهِ الرِّيبَةُ مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ حَيْثُ قَالَ {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: ٢٨٢] وَلَيْسَ دُونَ الْأَدْنَى شَيْءٌ تَنْتَفِي بِهِ الرِّيبَةُ فَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مَعَ الْيَمِينِ حُجَّةً لَزِمَ مِنْهُ انْتِفَاءُ كَوْنِ الْمَنْصُوصِ أَدْنَى فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ ضَرُورَةً.

(وَالسُّنَّةُ الْمَشْهُورَةُ) أَيْ وَجَهْلُ مَنْ عَارَضَ مُجْتَهِدُهُ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ (كَالْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ) أَيْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي (مَعَ) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» لَفْظُ الْبَيْهَقِيّ وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ «، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَجَعَلَ جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِ، أَوْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ لَا عَهْدَ ثَمَّةَ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ فَلَا يَكُونُ بَعْضُ الْأَيْمَانِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي وَمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ سَيْفٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ سَأَلَ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ فَقَالَ عَمْرٌو لَمْ يَسْمَعْ هَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدِي،.

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِشَيْءٍ فَقَدْ رَمَى الْحَدِيثَ بِالِانْقِطَاعِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَسَيْفٌ عَنْ قَيْسٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابِهِ الْمَوْضُوعِ فِي الضُّعَفَاءِ، وَهُوَ الْكَامِلُ وَسَاقَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَعَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: غَلِطَ سَيْفٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَسَأَلَ عِيَاشٌ ابْنَ مَعِينٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا هَذَا تَكَلَّمَ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَضْعَفَ حَدِيثَهُ وَضَعَّفَهُ جِدًّا وَمَعَ ضَعْفِهِ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَذَكَرَ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِذَهَابِ بَعْضِ الْحُفَّاظِ إلَى كَوْنِهِ غَلَطًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ إرْسَالُهُ أَشْهَرُ انْتَهَى. وَرُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ لَا تَخْلُوَا كُلُّهَا مِنْ النَّظَرِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ هِيَ بِدْعَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهَا مُعَاوِيَةُ وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَقَالَ: شَيْءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَوْرَدَ لَمْ يَبْقَ لِتَضْعِيفِ الْحَدِيثِ مَجَالٌ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>