للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَاءُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا أَيْضًا لِمُخَالَفَةِ الْأَوَّلِ الْإِجْمَاعَ، وَالثَّانِي النَّصَّ، وَالْإِجْمَاعَ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُ قَوْلِهِ فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَى مَا بَعْدَهُمَا ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: يُرَادُ بِالْكِتَابِ الْمُجْمَعُ عَلَى مُرَادِهِ، أَوْ مَا يَكُونُ مَدْلُولُ لَفْظِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ وَلَا تَأْوِيلُهُ بِدَلِيلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] فَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِحِلِّ أُمِّ امْرَأَتِهِ كَانَ بَاطِلًا لَا يَنْفُذُ، وَالثَّانِي مِثْلُ {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] فَلَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَهَذَا لَا يَنْضَبِطُ، فَإِنَّ النَّصَّ قَدْ يَكُونُ مُؤَوَّلًا فَيَخْرُجُ عَنْ ظَاهِرِهِ، فَإِذَا مَنَعْنَاهُ يُجَابُ بِأَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِالْمَذْبُوحِ لِلْأَنْصَابِ أَيَّامَ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ، أَوْ لَيْسَ بِمُؤَوَّلٍ فَلَا يَكُونُ حُكْمُ أَحَدِ الْمُتَنَاظِرَيْنِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَوَّلٍ قَاضِيًا عَلَى غَيْرِهِ بِمَنْعِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ نَعَمْ قَدْ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِثُبُوتِ دَلِيلِ التَّأْوِيلِ فَيَقَعُ الِاجْتِهَادُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، أَوْ لَا وَلِذَا يُمْنَعُ نَفَاذُ الْقَضَاءِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَيُجِيزُونَهُ وَبِالْعَكْسِ وَلَا فَرْقَ فِي كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْحُكْمِ، أَوْ عَلَى تَأْوِيلِ السَّمْعِيِّ.

قُلْت: ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمُجْتَهِدُ فِيهِ الْمُعَارِضُ لِمَدْلُولِ أَحَدِ هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الْمَحْكُومِ بَعْدَ اعْتِبَارِهِ حَتَّى إنَّ الْقَضَاءَ لَا يَنْفُذُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِمَا كَانَ مِنْ الْكِتَابِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ السُّنَّةِ كَذَلِكَ مُتَوَاتِرَ الثُّبُوتِ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ، وَالدَّلَالَةِ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ لَكِنْ فِي صُدُورِ هَذَا مِنْ الْمُجْتَهِدِ بُعْدٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ مُخَالَفَةِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ كُفْرٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِمَا كَانَ مِنْ الْكِتَابِ، أَوْ السُّنَّةِ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ السُّنَّةُ قَطْعِيَّةَ الثُّبُوتِ، أَوْ لَا، أَوْ مِنْ الْإِجْمَاعِ مَا كَانَ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ، أَوْ الدَّلَالَةِ وَهَذَا فِي عَدَمِ نَفَاذِ الْحُكْمِ بِمُعَارِضِهِ مُطْلَقًا نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ لِلْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ جُمْلَةً قَضَاءُ الْقُضَاةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مِنْهُ أَنْ يُقْضَى بِخِلَافِ النَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ وَهَذَا بَاطِلٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقُضَاةِ نَقْضُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ، وَقِسْمٌ مِنْهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي مَوْضِعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَفِي هَذَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ، وَقِسْمٌ مِنْهُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَيْءٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْخِلَافُ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَيْ يَكُونُ الْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَبَعْضُهُمْ يَقُولُونَ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُونَ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إنْ أَجَازَهُ جَازَ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ قَضَى فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَلَيْسَ لِلثَّانِي نَقْضُهُ، وَإِنْ أَبْطَلَهُ الثَّانِي بَطَلَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ يُجِيزُهُ انْتَهَى، وَبَعْدَ إحَاطَةِ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَخْفَى مَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّظَرِ عِنْدَ تَحْقِيقِ النَّظَرِ.

ثُمَّ إذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَا عَدَا التَّحْلِيلَ بِلَا وَطْءٍ مِنْ الْمُجْتَهَدَاتِ الْأُوَلِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مُعَارِضًا لِنَصٍّ قَطْعِيِّ الثُّبُوتِ، وَالدَّلَالَةِ، وَالْإِجْمَاعُ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ بِهِ بَاطِلًا قَطْعًا، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ، أَوْ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَيَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُمْضِهِ قَاضٍ آخَرُ، وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالتَّحْلِيلِ بِلَا وَطْءٍ بِحُكْمِهِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ النَّفَاذِ أَصْلًا، وَمِنْ جِهَةِ النَّفَاذِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَطْءِ فِيهِ بَعْدَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ثَابِتٌ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ، أَوْ ظَنِّيٍّ لِلْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ النَّصِّ الْقَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ بِإِجْمَاعٍ ظَنِّيٍّ لَمْ يَنْفُذْ حَتَّى يُمْضِيَهُ قَاضٍ آخَرَ، وَإِنْ قِيلَ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَكَيْفَ لَا، وَقَدْ صَارَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَكَذَا الْجَوَابُ بِحِلِّ رِبَا الْفَضْلِ وَتَرْكِ الْعَوْلِ ثُمَّ حَيْثُ قُلْنَا: يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِكَذَا، أَوْ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُ الْقَضَاءِ بِهِ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْأَزْمَانِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَاضِي مَذْهَبِ مُقَلَّدِهِ صَحَّ الْقَضَاءُ بِهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَإِمْضَاءُ ذَلِكَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي الْإِجْمَاعِ مِنْ أَنَّ قُضَاةَ هَذِهِ الْأَزْمَانِ إنَّمَا فُوِّضَ إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ الْقَضَاءُ بِمَذْهَبِ مُقَلَّدِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْقَضَاءِ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مُقَلَّدِهِ وَإِذَنْ فَفِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ لَا سَبِيلَ بِحَالٍ إلَى نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِوُجُودِ التَّحْلِيلِ بِلَا وَطْءٍ وَلَا بِحِلِّ رِبَا الْفَضْلِ وَلَا بِتَرْكِ الْعَوْلِ، وَلَوْ فُرِضَ وُقُوعُ قَضَاءِ قُضَاةِ الْأَقْطَارِ بِهِ وَتَنْفِيذُهُمْ لَهُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ نَفَاذِ بَعْضِ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>