وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: ٩٠] الْآيَةَ فَقَالُوا: انْتَهَيْنَا يَا رَبِّ وَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَاسٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ رِجْسًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] الْآيَةَ» .
وَهَذَا إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ نَفْيًا لِلْحَرَجِ عَنْ الشَّارِبِينَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا خِلَافَ فِيهِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ الْخِطَابِ النَّازِلِ (بَعْدَ الِانْتِشَارِ) ، فَإِنَّ جَهْلَهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ جَهْلَهُ إنَّمَا هُوَ (لِتَقْصِيرِهِ) فِي مَعْرِفَتِهِ (كَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَاءَ فِي الْعُمْرَانِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى لَا يَصِحُّ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْوُجُودِ) ، وَهُوَ الْعُمْرَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْمَاءِ غَالِبًا (وَتَرْكُهُ الْعَمَلَ) بِالدَّلِيلِ، وَهُوَ طَلَبُهُ فِيهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْتَكْشِفْ الْحَالَ، أَوْ اسْتَكْشَفَهُ فَوَجَدَ الْمَاءَ فِيهِ أَمَّا لَوْ اسْتَكْشَفَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فِيهِ فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي لِظُهُورِ انْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ الطَّلَبَ فِي الْمَفَازَةِ عَلَى ظَنِّ الْعَدَمِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى حَيْثُ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَبُ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْعَدَمِ لَا الْوُجُودِ (وَكَذَا الْجَهْلُ) لِلْإِنْسَانِ (بِأَنَّهُ وَكِيلٌ، أَوْ مَأْذُونٌ) مِنْ سَيِّدِهِ إذَا كَانَ عَبْدًا (عُذِرَ حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُمَا) الْمُوَكِّلِ، وَالْمَوْلَى قَبْلَ بُلُوغِ الْوَكَالَةِ، وَالْإِذْنِ إلَيْهِمَا (وَيَتَوَقَّفُ) نَفَاذُ تَصَرُّفِهِمَا عَلَيْهِمَا عَلَى إجَازَتِهِمَا (كَالْفُضُولِيِّ) أَيْ كَتَوَقُّفِ نَفَاذِ تَصَرُّفِهِ عَلَى مَنْ تُصْرَفُ لَهُ عَلَى إجَازَتِهِ بِشَرْطِهَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ بِأَنَّ فِي التَّوْكِيلِ، وَالْإِذْنِ نَوْعَ إلْزَامٍ عَلَى الْوَكِيلِ، وَالْمَأْذُونِ حَيْثُ يَلْزَمُهُمَا حُقُوقُ الْعَقْدِ مِنْ التَّسْلِيمِ، وَالتَّسَلُّمِ، وَالْمُطَالَبَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَكَالَةِ، وَالْإِذْنِ فِي حَقِّهِمَا قَبْلَ الْعِلْمِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَإِذَا كَانَتْ أَحْكَامُ الشَّرْعِ مَعَ كَمَالِ وِلَايَتِهِ لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ عِلْمِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَ حُكْمُ الْمُكَلَّفِ الَّذِي هُوَ قَاصِرُ الْوِلَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ بِدُونِ عِلْمِهِ (إلَّا فِي شِرَاءِ الْوَكِيلِ) ، فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ نَفَاذُ شِرَائِهِ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ بَلْ (يَنْفُذُ) شِرَاؤُهُ (عَلَى نَفْسِهِ) .
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِعَيْنِهِ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ (كَمَا عُرِفَ) مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ نَفَذَ عَلَيْهِ (قُلْت) : كَذَا ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي الْأُصُولِ هَذَا الْحُكْمَ لِجَهْلِهِمَا بِالْوَكَالَةِ، وَالْإِذْنِ وَزَادَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَالْفُضُولِيِّ إلَخْ وَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا اعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اتَّفَقَتْ أَنَّ الْوَكَالَةَ إذَا ثَبَتَتْ قَصْدًا لَا تَثْبُتُ بِدُونِ الْعِلْمِ أَمَّا إذَا ثَبَتَتْ فِي ضِمْنِ أَمْرِ الْحَاضِرِ بِالتَّصَرُّفِ بِأَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اشْتَرِ عَبْدِي مِنْ فُلَانٍ لِنَفْسِك، أَوْ لِعَبْدِهِ: انْطَلِقْ إلَى فُلَانٍ لِيُعْتِقَك، أَوْ لِامْرَأَتِهِ: انْطَلِقِي إلَى فُلَانٍ لِيُطَلِّقَك، فَاشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ، أَوْ أُعْتِقَ، أَوْ طَلَّقَ فُلَانٌ بِدُونِ الْعِلْمِ جَازَ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَكِيلَ هَلْ يَصِيرُ وَكِيلًا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ أَمْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَصِيرُ وَفِي رِوَايَةِ وَكَالَةِ الْأَصْلِ يَصِيرُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ نَعَمْ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُهُ إذَا عَلِمَ اهـ.
فَإِنْ تَمَّ هَذَا وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدُوا بِالْوَكَالَةِ الْقَصْدِيَّةِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا اُخْتِيرَ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ ثُمَّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوِصَايَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ اهـ وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يُعَكِّرُ حِكَايَةَ اتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ الثَّانِي فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ قَالَ لِأَهْلِ السُّوقِ: بَايِعُوا عَبْدِي هَذَا صَارَ مَأْذُونًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَتِمُّ كَوْنُ الْجَهْلِ عُذْرًا فِي صِحَّةِ الْإِذْنِ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ: بِعْ عَبْدَك مِنْ ابْنِي إنْ عَلِمَ الِابْنُ صَارَ مَأْذُونًا وَإِلَّا فَلَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مُؤَثِّرٌ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَا مَحِيصَ فِي دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا بِأَنْ يَكُونَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ رِوَايَتَانِ فَيَتَخَرَّجُ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِمَا فِيهَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ: وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا إلَّا بِالْعِلْمِ فَلَوْ قَالَ: بَايِعُوا عَبْدِي، فَإِنَى أَذِنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَبَايَعُوهُ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ اهـ بَقِيَ الشَّأْنُ فِيمَا هُوَ الْأَرْجَحُ مِنْهُمَا، فَإِنْ تَمَّ كَوْنُ الشَّارِطَةِ لِلْعِلْمِ هِيَ الرَّاجِحَةَ فِيهَا وَإِلَّا فَيَنْتَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute