للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ الْخَلَا أَيْ يَصْلُحُ لَفْظُ الْخَلَالَةُ (وَلَمْ يُرِدْهُ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عُمُومِ لَفْظِ خَلَاهَا بِنَاءً عَلَى تَخْصِيصِهِ مِنْهُ وَصَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ حَيْثُ أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ مَا هُوَ مَدْلُولُهُ (وَفَهِمَ) الْعَبَّاسُ (عَدَمَهَا) أَيْ عَدَمَ إرَادَتِهِ مِنْهُ (فَصَرَّحَ) بِالْمُرَادِ الَّذِي هُوَ قَصْرُ اللَّفْظِ عَلَى الْبَعْضِ تَحْقِيقًا لِمَا فَهِمَهُ (لِيُقَرِّرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) عَلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الْإِذْخِرَ لِيُقَرِّرَ مَا فَهِمَهُ لَا لِيَخْرُجَ مِنْ لَفْظِ خَلَاهَا الْمَذْكُورِ بَعْضُ مَا هُوَ دَاخِلٌ بِحَسَبِ الدَّلَالَةِ غَيْرُ دَاخِلٍ بِحَسَبِ الْحُكْمِ (وَأُورِدَ إذَا لَمْ يُرِدْ) الْإِذْخِرَ مِنْ دَلَالَةِ لَفْظِ الْخَلَا (فَكَيْفَ يُسْتَثْنَى) إذْ الْمُسْتَثْنَى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِحَسَبِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ غَيْرَ مُرَادٍ بِحَسَبِ الْحُكْمِ (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ إلَّا الْإِذْخِرَ (لَيْسَ) مُسْتَثْنًى (مِنْ) الْخَلَا (الْمَذْكُورِ بَلْ مِنْ مِثْلِهِ مُقَدَّرًا) فَكَأَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا إلَّا الْإِذْخِرَ وَقَرَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا إلَّا الْإِذْخِرَ فَالِاسْتِثْنَاءُ، وَالتَّقْرِيرُ مِنْ خَلَاهَا الْمُقَدَّرِ لَا الْمَذْكُورِ وَاَلَّذِي سَوَّغَ لِلْعَبَّاسِ تَقْدِيرَ التَّكْرِيرِ اتِّحَادُ مَعْنَى قَوْلِهِمَا لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا بِحَسَبِ اللُّغَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِذْخِرُ مُرَادًا مِنْهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ:

(وَهَذَا السُّؤَالُ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فِي بَحْثِ الِاسْتِثْنَاءِ (مِنْ اخْتِيَارِ أَنَّ الْمَخْرَجَ) مِنْ الصَّدْرِ (مُرَادٌ بِالصَّدْرِ بَعْدَ دُخُولِهِ) أَيْ الْمَخْرَجِ (فِي دَلَالَتِهِ) أَيْ الصَّدْرِ عَلَيْهِ (ثُمَّ أَخْرَجَ) الْمَخْرَجَ مِنْ الصَّدْرِ (ثُمَّ أَسْنَدَ) الْحُكْمَ إلَى الصَّدْرِ كَمَا هُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ (وَنَحْنُ وَجَّهْنَا قَوْلَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ) أَيْ الْمَخْرَجَ (لَمْ يُرَدْ) بِالصَّدْرِ (وَإِلَّا قَرِينَةُ عَدَمِ الْإِرَادَةِ) مِنْهُ (كَمَا هُوَ بِسَائِرِ التَّخْصِيصَاتِ فَلَا حَاجَةَ لِلسُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ هَذَا الْجَوَابِ وَإِمَّا مِنْهُ) ، وَالْأَحْسَنُ، أَوْ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْخَلَا أَيْ يَصْلُحُ لَفْظُهُ لَهُ (وَأُرِيدَ) الْإِذْخِرُ (بِالْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ أَيْضًا (ثُمَّ نُسِخَ) تَحْرِيمُهُ (بِوَحْيٍ كَلَمْحِ الْبَصَرِ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ إلْهَامُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَحْيٌ، وَهُوَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ دُفْعَةً) بِلَا وَاسِطَةِ عِبَارَةِ الْمَلَكِ وَلَا إشَارَتِهِ مَقْرُونٌ بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ أَنَّهُ مِنْهُ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِتَقَدُّمِهِ، وَظُهُورُ الْعَلَامَاتِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَحْيِ الْمُنْدَرِجِ لَا فِيمَا هُوَ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، أَوْ كَانَ إلْهَامًا (وَأَوْرَدَ: الِاسْتِثْنَاءُ يَأْبَاهُ) أَيْ كَوْنَهُ مَنْسُوخًا بِوَحْيٍ كَلَمْحِ الْبَصَرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحُكْمِ، وَمِنْ شَأْنِ الْمَنْسُوخِ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْحُكْمِ قَبْلَ النَّسْخِ.

(أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ مُقَدَّرٍ لِلْعَبَّاسِ) مِثْلُ الْمَذْكُورِ كَمَا ذَكَرْنَا (لَا مِمَّا ذَكَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالنَّسْخُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَعَ ذِكْرِ الْعَبَّاسِ فَذِكْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ ذِكْرِ الْعَبَّاسِ (ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنْ اسْتِثْنَاءَ الْعَبَّاسِ مِنْ مُقَدَّرٍ) مِثْلِ الْمَذْكُورِ (عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ اسْتِثْنَاءَ الْعَبَّاسِ (تَرْكِيبُ مُتَكَلِّمٍ آخَرَ، وَوَحْدَةُ الْمُتَكَلِّمِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ لِاشْتِمَالِهِ) أَيْ الْكَلَامِ (عَلَى النِّسْبَةِ الْإِسْنَادِيَّةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ قِيَامُهَا بِنَفْسِهَا بِمَحِلَّيْنِ، وَمِنْهُ) أَيْ وَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الثَّانِي) أَيْ إنَّ الْإِذْخِرَ مِنْ الْخَلَا وَلَمْ يُرَدْ مِنْهُ.

(قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ أَيْضًا (قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ جَزْمًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَأَضَافَ الْأَمْرَ إلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ وَعَدَمَهُ إلَيْهِ (وَقَالَ) أَيْضًا: (لِقَائِلٍ «أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ لِلْأَبَدِ، وَلَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَ» ) كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ هُنَا إلَى لَفْظِ " فَقَالَ " ثُمَّ الْحَدِيثُ لَمْ يُحْفَظْ بِهَذَا السِّيَاقِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ مُلَفَّقٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ تِسْعًا لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، وَفِيهِ فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ: أَلِعَامِنَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَأَخْرَجَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي كُلِّ عَامٍ فَسَكَتَ ثُمَّ أَعَادَ فَسَكَتَ ثُمَّ أَعَادَ فَقَالَ لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالرَّجُلُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ الْمُجَرَّدَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>