للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِ وَحْيٍ يُوجِبُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (وَلَمَّا «قَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بِأَمْرِهِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ بِالصَّفْرَاءِ فِي مَرْجِعِهِ مِنْ بَدْرٍ فَقَتَلَهُ صَبْرًا ثُمَّ سَمِعَ مَا أَنْشَدَتْهُ أُخْتُهُ قَتِيلَةٌ» عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ هِشَامٍ، وَالْيَعْمُرِيُّ.

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا بِنْتُ النَّضْرِ كَذَلِكَ قَالَ الزُّبَيْدِيُّ وَوَقَعَ فِي الدَّلَائِلِ وَمَشَى عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ فِي التَّجْرِيدِ، وَمِنْ قَبْلِهِ الْآمِدِيُّ، وَالرَّازِيُّ وَأَتْبَاعُهُمَا

(مَا كَانَ ضَرَّك لَوْ مَنَنْت وَرُبَّمَا ... مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمُغِيظُ الْمُحْنَقُ

فِي أَبْيَاتٍ) سَابِقَةٍ عَلَى هَذَا هِيَ

يَا رَاكِبًا إنَّ الْأَثِيلَ مَظِنَّةٌ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفَّقُ

أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنَّ تَحِيَّةً ... مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النَّجَائِبُ تَخْفُقُ

مِنِّي إلَيْهِ وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنُقُ

هَلْ يَسْمَعَنَّ النَّضْرُ إنْ نَادَيْته ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ لَا يَنْطِقُ

أَمُحَمَّدٌ يَا خَيْرَ ضِنْءِ كَرِيمَةٍ ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرَقُ

وَلَاحِقَةٍ لَهُ وَهِيَ

، أَوْ كُنْت قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلَيُنْفِقَن ... بِأَعَزِّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ

فَالنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرْت قَرَابَةً ... وَأَحَقُّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ

ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... لِلَّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تَشَقَّقُ

صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيَّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفَ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ عَارٍ مُوثَقُ

الْأَثِيلُ مَوْضِعُ قَبْرِ أَخِيهَا بِالصَّفْرَاءِ وَمَعْنَى مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ أَيْ لَيْلَةٍ خَامِسَةٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِمَكَّةَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَثِيلِ هَذِهِ الْمَسَافَةُ وَتَخْفُقُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا تَضْطَرِبُ، وَالْهَمْزَةُ فِي أَمُحَمَّدٌ لِلنِّدَاءِ، وَالتَّنْوِينُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَضِنْءٌ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا مَعَ هَمْزَةٍ آخِرَهُ الْوَلَدُ الَّذِي يُضَنُّ بِهِ أَيْ يُبْخَلُ بِهِ لِعِظَمِ قَدْرِهِ وَأُعْرِقَ فَهُوَ مُعْرَقٌ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا أَيْ لَهُ عِرْقٌ فِي الْكَرَمِ وَعَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ بِمَعْنَى أُنْتِجَ، وَالْمَعْنَى أَنْتَ كَرِيمُ الطَّرَفَيْنِ وَمَا نَافِيَةٌ، أَوْ اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى أَيُّ شَيْءٍ كَانَ يَضُرُّك لَوْ عَفَوْت، وَالْفَتَى وَإِنْ كَانَ مُغْضَبًا مُضْجَرًا مَطْوِيًّا عَلَى حَنَقٍ وَحِقْدٍ وَعَدَاوَةٍ قَدِيمَةٍ وَيَعْفُو وَفِي هَذَا اعْتِرَافٌ بِالذَّنْبِ.

«قَالَ لَوْ بَلَغَنِي هَذَا الشَّعْرُ قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْت عَلَيْهِ» وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ النَّسَبِ «فَرَقَّ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ لَوْ سَمِعْت شِعْرَهَا مَا قَتَلْت أَبَاهَا» وَهَذَا مِمَّا يَشْهَدُ بِأَنَّهَا ابْنَتُهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ وَعَدَمُهُ إلَيْهِ لَمْ يُفَرِّقْ الْحَالُ بَيْنَ بُلُوغِ شِعْرِهَا إلَيْهِ وَعَدَمِ بُلُوغِهِ.

(أُجِيبَ بِجَوَازِ كَوْنِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (خُيِّرَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ (مُعَيِّنًا) أَيْ كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَنْتَ مُخَيَّرٌ فِي إيجَابِ السُّؤَالِ وَعَدَمِهِ وَتَكْرَارِ الْحَجِّ وَعَدَمِهِ وَقَتْلِ النَّضْرِ وَعَدَمِهِ (أَوْ) كَوْنِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فِيهَا (بِوَحْيٍ سَرِيعٍ) لَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ عَلَى أَنَّ فِي الِاسْتِيعَابِ قَالَ الزُّبَيْرُ وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَغْمِزُ أَبْيَاتَهَا وَيَذْكُرُ أَنَّهَا مَصْنُوعَةٌ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا قَضِيَّةُ النَّضْرِ فَقَدْ يَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَيَّرًا فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَسَارَى، وَالتَّخْيِيرُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ اتِّفَاقًا بَلْ هَذَا التَّخْيِيرُ ثَابِتٌ فِي حَقِّ كُلِّ إمَامٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ لِلْأَقْرَعِ: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَ فَمَدْلُولُهُ الْوُجُوبُ عَلَى تَقْدِيرِ قَوْلِهِ نَعَمْ وَهَذَا صَحِيحٌ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُ نَعَمْ إلَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ مُمْتَنِعًا وَقَوْلُهُ لَوْ قُلْت نَعَمْ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَوْلِهَا؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الشَّرْطِ الَّذِي فِيهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِأَنْ يَأْمُرَهُمْ عِنْدَ عَدَمِ الْمَشَقَّةِ فَلَمَّا وَجَدَ الْمَشَقَّةَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ انْتَهَى قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ) الْجَوَابَ (الْأَوَّلَ رُجُوعٌ عَنْ الدَّعْوَى، وَهُوَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>