بِالسَّمَاعِ ثُمَّ التَّجَدُّدُ عَنْهُ) أَيْ وَالْجَوَابُ الْحَقُّ مَنْعُ انْتِفَاءِ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَطْلَقَ اللَّفْظَ وَلَمْ يُفْهَمْ الْمَعْنَى، قُلْنَا: مَمْنُوعٌ
قَوْلُهُ: لِأَنَّ فَهْمَ الْمَفْهُومِ مُحَالٌ قُلْنَا مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ فَهْمُ الْمَعْنَى، وَيَذْهَبُ انْتِقَاشُهُ مِنْ النَّفْسِ عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَضْعًا لَكِنَّهُ يَنْقَطِعُ حَالَتَئِذٍ لِلذُّهُولِ عَنْهُ بِالِالْتِفَاتِ إلَى الْمَسْمُوعِ ثُمَّ يَتَجَدَّدُ فَهْمُهُ ثَانِيًا عَنْ سَمَاعِ اللَّفْظِ فَيَكُونُ إدْرَاكًا ثَانِيًا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ الْأَوَّلِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يُحَقِّقُ صِحَّةَ دَعْوَى قِيَامِ الْحَيْثِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَالْجَوَابُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ بِدَعْوَى قِيَامِهَا، وَهَذَا بَيَانٌ لِذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَلِلدَّلَالَاتِ) الْوَضْعِيَّةِ اللَّفْظِيَّةِ (إضَافَاتٌ) ثَلَاثٌ:
إضَافَةٌ (إلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ وَجُزْئِهِ) أَيْ وَإِضَافَةٌ إلَى جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ (وَلَازِمِهِ) أَيْ وَإِضَافَةٌ إلَى لَازِمِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ (إنْ كَانَا) أَيْ إنْ وُجِدَ الْجُزْءُ وَاللَّازِمُ، وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُطَابَقَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ التَّضَمُّنَ وَالِالْتِزَامَ دَائِمًا، وَالْأَمْرُ عَلَى مَا أَشَارَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسَمَّى اللَّفْظِ بَسِيطًا كَالْوَحْدَةِ وَالنُّقْطَةِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَلَا تَضَمُّنَ لِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَيْضًا أَنَّ الِالْتِزَامَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّضَمُّنَ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْبَسِيطَ إذَا كَانَ لَهُ لَازِمٌ ذِهْنِيٌّ كَانَ ثَمَّةَ الْتِزَامٌ بِلَا تَضَمُّنٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُسَمَّى لَازِمٌ بَيِّنٌ يُلْزِمُ فَهْمُهُ فَهْمَهُ، وَلِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّا نَعْقِلُ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْ جَمِيعِ الْأَغْيَارِ فَانْتَفَى زَعْمُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ بِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ تَسْتَلْزِمُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَيْضًا أَنَّ التَّضَمُّنَ لَا يَسْتَلْزِمُ الِالْتِزَامَ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُسَمَّى الْمُرَكَّبِ لَازِمٌ كَذَلِكَ وَلِلْعِلْمِ بِأَنَّا نَعْقِلُ كَثِيرًا مِنْ الْمَعَانِي الْمُرَكَّبَةِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ نَعَمْ التَّضَمُّنُ وَالِالْتِزَامُ مُسْتَلْزِمَانِ لِلْمُطَابَقَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ إلَّا مَعَهَا بِالِاتِّفَاقِ (وَلَهَا) أَيْ وَلِلدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَاللَّفْظِيَّةِ (مَعَ كُلٍّ) مِنْ هَذِهِ الْإِضَافَاتِ (اسْمٌ فَمَعَ الْأَوَّلِ) أَيْ فَلَهَا مُضَافَةً إلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَمَامُهُ اسْمٌ هُوَ (دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ) لِمُوَافَقَةِ الْمَعْنَى اللَّفْظَ (وَمَعَ الثَّانِي) أَيْ وَلَهَا مُضَافَةً إلَى جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْؤُهُ اسْمٌ هُوَ (دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ) لِتَضَمُّنِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ إيَّاهُ (وَكَذَا الِالْتِزَامُ) أَيْ وَكَذَا لَهَا مُضَافَةً إلَى اللَّازِمِ الْخَارِجِ عَنْ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَازِمُهُ اسْمٌ هُوَ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ لِاسْتِلْزَامِهِ لَهُ.
(وَيَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَهَا) أَيْ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ (انْتِقَالَيْنِ وَاحِدٌ) مِنْ اللَّفْظِ (إلَى الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيِّ وَالتَّضَمُّنِيِّ) مَعًا (لِأَنَّ فَهْمَهُ) أَيْ الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الدَّلَالَةُ التَّضَمُّنِيَّةُ (فِي ضِمْنِهِ) أَيْ فِي ضِمْنِ فَهْمِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِلْمَعْنَى الْمُرَكَّبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يُلَاحَظُ مُلَاحَظَةً وَاحِدَةً إجْمَالِيَّةً فَلَيْسَ ثَمَّةَ إلَّا فَهْمٌ وَاحِدٌ لَهُمَا فَالدَّلَالَةُ عَلَى الْكُلِّ لَا تُغَايِرُ الدَّلَالَةَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَجْزَاءِ مُغَايَرَةً بِالذَّاتِ بَلْ بَيْنَهُمَا تَغَايُرٌ بِالْإِضَافَةِ وَالِاعْتِبَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْفَهْمَ الْوَاحِدَ إنْ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ وَاعْتُبِرَ بِالْقِيَاسِ إلَيْهِ سُمِّيَ فَهْمَ الْكُلِّ، وَدَلَالَةُ الْمُطَابِقَةِ إنْ أُضِيفَ إلَى أَحَدِ الْأَجْزَاءِ وَاعْتُبِرَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سُمِّيَ فَهْمَ ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَدَلَالَةَ التَّضَمُّنِ وَاسْتُوْضِحَ ذَلِكَ بِمَا إذَا وَقَعَ بَصَرُك عَلَى زَيْدٍ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدِمَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنَّك تَرَاهُ وَتَرَى أَجْزَاءً بِرُؤْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ نَسَبْت هَذِهِ الرُّؤْيَةَ إلَى زَيْدٍ تُسَمَّى رُؤْيَتَهُ وَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ تُسَمَّى رُؤْيَةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ (لَا كَظَنِّ شَارِحِ الْمَطَالِعِ) قُطْبِ الدِّينِ الْفَاضِلِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى جُزْءِ مَا وُضِعَ هُوَ لَهُ ثُمَّ مِنْهُ إلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ هُوَ لَهُ وَأَنَّ الْمُطَابَقَةَ تَابِعَةٌ لِلتَّضَمُّنِ فِي الْفَهْمِ لِسَبْقِ الْجُزْءِ فِي الْوُجُودَيْنِ لِظُهُورِ مَنْعِ الْأَوَّلِ وَسَبْقِ الْجُزْءِ فِي الْوُجُودَيْنِ مُطْلَقَةً لَا دَائِمَةً؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ فِي تَذَكُّرِ الْمَعْنَى عِنْدَ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى فَهْمِهِ مِنْهُ وَالِالْتِفَاتِ إلَيْهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِعِلَّةِ سَمَاعِ اللَّفْظِ وَالْعِلْمِ بِوَضْعِهِ لَهُ وَذَلِكَ عِلَّةُ الِانْتِقَالِ لِلْمَجْمُوعِ فَيَثْبُتُ كَذَلِكَ.
ثُمَّ مُقْتَضَاهُ فَهْمُ الْجُزْءِ مَرَّتَيْنِ بِالِاسْتِقْلَالِ وَفِي ضِمْنِ الْكُلِّ لَكِنْ الْوِجْدَانُ يَنْفِي الْأَوَّلَ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ تَعَقُّلِ الْمُرَكَّبِ مِنْ مُفِيدِهِ تَفْصِيلًا حَيْثُ يَلْزَمُ فِيهِ سَبْقُ الْجُزْءِ كَذَا أَفَادَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute