للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (يَلِيهِ) أَيْ هَذَا الِانْتِقَالَ انْتِقَالٌ (آخَرُ) مِنْ الْمُطَابِقِيِّ أَوْ التَّضَمُّنِيِّ إنْ كَانَ هُوَ الْمَلْزُومَ (إلَى الِالْتِزَامِيِّ) فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّفْظِ وَاسِطَةٌ بِخِلَافِهِمَا ثُمَّ هَذَا الِانْتِقَالُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ يَلْزَمُ (لُزُومًا) ذِهْنِيًّا لَا انْفِكَاكَ لَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ اللُّزُومَ بَيْنَ أَحَدِهِمَا وَبَيْنَهُ مَشْرُوطٌ أَنْ يَكُونَ (بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ) وَهُوَ كَوْنُ اللَّازِمِ يَحْصُلُ فِي الذِّهْنِ كُلَّمَا حَصَلَ الْمُسَمَّى فِيهِ (فَانْتَفَى لُزُومُ الِالْتِزَامِيِّ مُطْلَقًا لِلُزُومِ تَعَقُّلِ أَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْأَعَمِّ) أَيْ فَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا انْتِفَاءُ كَوْنِ الْمُطَابَقَةِ تَسْتَلْزِمُ الِالْتِزَامَ دَائِمًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ الْمُطَابَقَةُ يَلْزَمُهَا الِالْتِزَامُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مَاهِيَّةٍ لَازِمًا بَيِّنًا، وَأَقَلُّهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ غَيْرَهَا وَالدَّالُّ عَلَى الْمَلْزُومِ دَالٌّ عَلَى اللَّازِمِ الْبَيِّنِ بِالِالْتِزَامِ، وَإِيضَاحُ الِانْتِفَاءِ أَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ اللُّزُومِ فِي اللَّازِمِ الْبَيِّنِ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ لِلُّزُومِ، وَهُوَ مَا يُحْكَمُ بِهِ مِنْ اللُّزُومِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كُلَّمَا تَعَقَّلَا سَوَاءٌ كَانَ حُصُولُ اللَّازِمِ فِي الذِّهْنِ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ حُصُولِ الْمَلْزُومِ فِيهِ أَوْ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي الْقَرَائِنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ اللُّزُومُ بَيْنَهُمَا مِمَّا يُثْبِتُهُ الْعَقْلُ أَوْ عُرْفٌ عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ بِاللُّزُومِ بَيْنَهُمَا يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ اعْتِبَارَ اللُّزُومِ فِي اللَّازِمِ الْبَيِّنِ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ اللُّزُومُ الذِّهْنِيُّ.

وَأَمَّا الْخَارِجِيُّ وَهُوَ كَوْنُ اللَّازِمِ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِ الْمُسَمَّى فِي الْخَارِجِ تَحَقُّقُهُ أَيْضًا فِيهِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ كَالْعَمَى يَدُلُّ عَلَى الْمَلَكَةِ كَالْبَصَرِ دَلَالَةً الْتِزَامِيَّةً؛ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْبَصَرِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا مَعَ عَدَمِ اللُّزُومِ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُعَانَدَةِ فِيهِ (هَذَا) كُلُّهُ (عَلَى) اصْطِلَاحِ (الْمَنْطِقِيِّينَ فَلَا دَلَالَةَ لِلْمَجَازَاتِ عَلَى الْمَجَازِيَّةِ) أَيْ فَلَا دَلَالَةَ مِنْ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ لِلْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ (بَلْ يَنْتَقِلُ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ (إلَيْهَا) أَيْ إلَى مَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ (بِالْقَرِينَةِ) أَيْ بِسَبَبِ اسْتِعَانَةِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ إلَيْهَا (فَهِيَ) أَيْ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةُ (مُرَادَاتٌ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ (لَا مَدْلُولَاتٌ لَهَا) أَيْ لِلْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ (فَلَا تُورَدُ) الْمَجَازَاتُ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ كَمَا أَوْرَدَهَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ لِانْتِفَاءِ الْغَرَضِ مِنْ إيرَادِهَا حِينَئِذٍ (إذْ يَلْتَزِمُونَهُ) أَيْ عَدَمَ دَلَالَةِ الْمَجَازَاتِ عَلَى مَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَعْرِيفِهِمْ الدَّلَالَةَ (وَلَا ضَرَرَ) عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ (إذْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ) نَفْيُ دَلَالَةِ الْمَجَازِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ (نَفْيَ فَهْمِ الْمُرَادِ) الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِيَمْتَنِعَ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لِحُصُولِ فَهْمِهِ بِالْقَرِينَةِ الْمُفِيدَةِ لَهُ ثُمَّ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (فَلَيْسَ لِلْمَجَازِ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ دَلَالَةٌ مُطَابِقَةٌ فِيهِمَا كَمَا قِيلَ) قَالَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ.

وَلَفْظُهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي الْجُزْءِ أَوْ اللَّازِمِ مَعَ قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ إرَادَةِ الْمُسَمَّى لَمْ يَكُنْ تَضَمُّنًا أَوْ الْتِزَامًا بَلْ مُطَابَقَةً لِكَوْنِهَا دَلَالَةً عَلَى تَمَامِ الْمَعْنَى أَيْ مَا عُنِيَ بِاللَّفْظِ وَقُصِدَ (بَلْ) إنَّمَا فِي الْمَجَازِ فِي الْجُزْءِ أَوْ اللَّازِمِ (اسْتِعْمَالٌ) لِلَّفْظِ فِي جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوْ لَازِمِهِ (يُوجِبُ الِانْتِقَالَ مَعَهُ) أَيْ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ الْمُطَابِقِيِّ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقِيُّ (إلَى كُلٍّ) مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَجَازِيَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (فَقَطْ الْقَرِينَةُ) الْمُفِيدَةُ لِذَلِكَ (وَدَلَالَةٌ تَضَمُّنِيَّةٌ وَالْتِزَامِيَّةٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ (تَبَعًا لِلْمُطَابِقِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ) فِيهِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ كُلَّ مَجَازٍ لَهُ دَلَالَةٌ مُطَابِقَةٌ لِافْتِقَارِهِ إلَى الْوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حَقِيقَةٍ، وَالدَّلَالَةُ تَتْبَعُ الْوَضْعَ لَا الْإِرَادَةَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ اهـ وَمِنْ ثَمَّةَ تَنَزَّلَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ إلَيْهِ عَقِبَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا (وَهَذَا لِأَنَّ بَعْدَ الْوَضْعِ لَا تَسْقُطُ الدَّلَالَةُ عَنْ الْوَضْعِيِّ فَكَذَا لَا تَسْقُطُ عَنْ لَازِمِهِ فَتَتَحَقَّقُ) الدَّلَالَةُ الْمُطَابِقِيَّةُ (لِتَحَقُّقِ عِلَّتِهَا وَهُوَ) أَيْ تَحَقُّقُ عِلَّتِهَا (الْعِلْمُ بِالْوَضْعِ) لِذَلِكَ الْمَعْنَى (وَالْمُرَادُ غَيْرُ مُتَعَلَّقِهَا) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَجَازِيِّ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُتَعَلَّقِ تِلْكَ الدَّلَالَةِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهُ

وَحَاصِلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْبَدِيعِ أَنَّ جَمِيعَ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ إلَّا التَّضَمُّنِيَّ وَالِالْتِزَامِيَّ مُرَادَاتٌ بِاللَّفْظِ بِالْقَرِينَةِ لَا مَدْلُولَاتٌ لَهُ حَتَّى لَوْ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى مُرَكَّبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>