والمعنى: لتبلون- أيها المؤمنون- ولتختبرن فِي أَمْوالِكُمْ بما يصيبها من الآفات، وبما تطالبون به من إنفاق في سبيل إعلاء كلمة الله، ولتختبرن أيضا في أَنْفُسِكُمْ بسبب ما يصيبكم من جراح وآلام من قبل أعدائكم، وبسبب ما تتعرضون له من حروب ومتاعب وشدائد، وفضلا عن ذلك فإنكم لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وهم اليهود والنصارى وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وهم كفار العرب، لتسمعن من هؤلاء جميعا أَذىً كَثِيراً كالطعن في دينكم، والاستهزاء بعقيدتكم، والسخرية من شريعتكم والاستخفاف بالتعاليم التي أتاكم بها نبيكم، والتفنن فيما يضركم.
وقد رتب- سبحانه- ما يصيب المؤمنين ترتيبا تدريجيا، فابتدأ بأدنى ألوان البلاء وهو الإصابة في المال، فإنها مع شدتها وقسوتها على الإنسان إلا أنها أهون من الإصابة في النفس لأنها أغلى من المال، ثم ختم ألوان الابتلاء ببيان الدرجة العليا منه وهي التي تختص بالإصابة في الدين، وقد عبر عنها بقوله: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً.
وإنما كانت الإصابة في الدين أعلى أنواع البلاء، لأن المؤمن الصادق يهون عليه ماله، وتهون عليه نفسه، ولكنه لا يهون عليه دينه، ويسهل عليه أن يتحمل الأذى في ماله ونفسه ولكن ليس من السهل عليه أن يؤذى في دينه ...
ولقد كان أبو بكر الصديق مشهورا بلينه ورفقه. ولكنه مع ذلك- لقوة إيمانه- لم يحتمل من «فنحاص» اليهودي أن يصف الخالق- عز وجل- بأنه فقير، فما كان من الصديق إلا أن شجّ وجه فنحاص عند ما قال ذلك القول الباطل.
وقد جمع- سبحانه- بين أهل الكتاب وبين المشركين في عداوتهم وإيذائهم للمؤمنين، للإشعار بأن الكفر ملة واحدة، وأن العالم بالكتاب والجاهل به يستويان في معاداتهم للحق، لأن العناد إذا استولى على القلوب زاد الجاهلين جهلا وحمقا، وزاد العالمين حقدا وحسدا.
ثم أرشد- سبحانه- المؤمنين إلى العلاج الذي يعين على التغلب على هذا البلاء فقال:
أى: وإن تصبروا على تلك الشدائد، وتقابلوها يضبط النفس، وقوة الاحتمال. وَتَتَّقُوا الله في كل ما أمركم به ونهاكم عنه، تنالوا رضاه- سبحانه- وتنجوا من كيد أعدائكم.
والإشارة في قوله فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ تعود إلى المذكور ضمنا من الصبر والتقوى، أى فإن صبركم وتقواكم من الأمور التي يجب أن يسير عليها كل عاقل. لأنها تؤدى إلى النجاح والظفر.