وقوله فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ دليل على جواب الشرط. والتقدير: وإن تصبروا وتتقوا تنالوا ثواب أهل العزم فإن ذلك من عزم الأمور.
فالآية الكريمة استئناف مسوق لإيقاظ المؤمنين، وتنبيههم إلى سنة من سنن الحياة، وهي أن أهل الحق لا بد من أن يتعرضوا للابتلاء والامتحان، فعليهم أن يوطنوا أنفسهم على تحمل كل ذلك، لأن ضعفاء العزيمة ليسوا أهلا لبلوغ النصر.
ولقد بين النبي صلّى الله عليه وسلّم أن قوة الإيمان وشدة البلاء متلازمان، فقد روى الترمذي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت يا رسول الله، أى الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل. فيبتلى الرجل على حسب دينه. فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض ما عليه خطيئة» .
ثم حكى- سبحانه- رذيلة أخرى من رذائل أهل الكتاب فقال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ.
الميثاق. هو العهد الموثق المؤكد. وقد أخذ- سبحانه- العهد على الذين أوتو الكتاب بأمرين:
أولهما: بيان ما في الكتاب من أحكام وأخبار.
وثانيهما: عدم كتمان كل شيء مما في هذا الكتاب.
والمعنى: واذكر أيها المخاطب وقت أن أخذ الله العهد المؤكد على أهل الكتاب من اليهود والنصارى بأن يبينوا جميع ما في الكتاب من أحكام وأخبار وبشارات بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وألا يكتموا شيئا من ذلك، لأن كتمانهم للحق سيؤدي إلى سوء عاقبتهم في الدنيا والآخرة.
والضمير في قوله «لتبيننه» يعود إلى الكتاب المشتمل على الأخبار والشرائع والأحكام والبشارات الخاصة بمبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم.
أى لتبينن ما في هذا الكتاب الذي بين أيديكم من أحكام وشرائع وأخبار وبشارات. وقيل الضمير يعود إلى الميثاق، ويكون المراد من العهد الذي وثقه الله عليهم هو تعاليمه وشرعه ونوره.
وقوله وَلا تَكْتُمُونَهُ عطف على «لتبيننه» وإنما لم يؤكد بالنون لكونه منفيا. وجمع- سبحانه- بين أمرهم المؤكد بالبيان وبين نهيهم عن الكتمان مبالغة في إيجاب ما أمروا به حتى لا يقصروا في إظهار ما في الكتاب من حقائق وحتى لا يلجئوا إلى كتمان هذه الحقائق أو تحريفها.