ولكن أهل الكتاب- ولا سيما العلماء منهم- نقضوا عهودهم مع الله- تعالى-، وقد حكى- سبحانه- ذلك في قوله فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ.
النبذ: الطرح والترك والإهمال.
أى أن أهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهود الموثقة بأن يبينوا ما في الكتاب ولا يكتموا شيئا منه، لم يكونوا أوفياء بعهودهم، بل إنهم نبذوا ما عاهدهم الله عليه، وطرحوه وراء ظهورهم باستهانة وعدم اعتداد. وأخذوا في مقابل هذا النبذ والطرح والإهمال شيئا حقيرا من متاع الدنيا وحطامها، فبئس الفعل فعلهم.
والتعبير عنهم بقوله فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كناية عن استهانتهم بالمنبوذ، وإعراضهم عنه بالكلية، وإهمالهم له إهمالا تاما، لأن من شأن الشيء المنبوذ أن يهمل ويترك، كما أن من شأن الشيء الذي هو محل اهتمام أن يحرس ويجعل نصب العين.
والضمير في قوله فَنَبَذُوهُ يعود على الميثاق باعتبار أنه موضع الحديث ابتداء.
ويصح أن يعود إلى الكتاب، لأن الميثاق هو الشرائع والأحكام، والكتاب وعاؤها، فنبذ الكتاب نبذ للعهد.
والمراد «بالثمن القليل» ما أخذوه من أموال ومتاع دنيوى من غيرهم في مقابل عدم بيانهم لما في الكتاب من حقائق، وكتمانهم لذلك إرضاء للشهوات وللأهواء الباطلة.
وليس وصف الثمن بالقلة من الأوصاف المخصصة للنكرات، بل هو من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل في مقابل نبذهم لكتاب الله وعهوده، إذ لا يكون هذا الثمن المحصل إلا قليلا وإن بلغ ما بلغ من أعراض الدنيا بجانب رضا الله- تعالى-.
قوله فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ أى بئس شيئا يشترونه ذلك الثمن.
فما نكرة منصوبة مفسرة لفاعلي بئس، وجملة يشترونه صفته، والمخصوص بالذم محذوف.
وقيل «ما» مصدرية فاعلى بئس، والمخصوص بالذم محذوف، أى بئس شراؤهم هذا الشراء لاستحقاقهم به العذاب الأليم.
وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة، وجوب إظهار الحق، وتحريم كتمانه.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: وكفى به دليلا على أنه مأخوذ على العلماء أن يبينوا الحق للناس، وألا يكتموا منه شيئا لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة،