للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكم من النقم مثل ما أنزلت بمن قبلكم من المسخ وغيره، فالآيات الكريمة قد تضمنت وعدا ووعيدا وترغيبا وترهيبا.

وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ.

وبعد أن أمر الله- عز وجل- بنى إسرائيل، أن يوفوا بعهده عموما أتبع ذلك بأمرهم بأن يوفوا بأمر خاص وهو القرآن الكريم، وفي التعبير عنه بذلك تعظيم لشأنه، وتفخيم لأمره.

وأفرد- سبحانه- أمرهم بأن يؤمنوا به مع اندراجه في قوله- تعالى- وَأَوْفُوا بِعَهْدِي للإشارة إلى أن الوفاء بالعهد لا يحصل منهم إلا إذا صدقوا به.

والمراد بما معهم التوراة، والتعبير عنها بذلك للإشعار بعلمهم بتصديقه لها. والمعنى: آمنوا يا بنى إسرائيل بالكتاب المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم المصدق لكتابكم التوراة، ومن مظاهر هذا التصديق اشتمال دعوته على ما يحقق دعوتها، من الأمر بتوحيد الله- تعالى- والحث على التمسك بالفضائل، والبعد عن الرذائل، وإخباره بما جاء بها من الإشارة إلى بعثة النبي صلّى الله عليه وسلم، ومطابقة ما وصفته به مطابقة واضحة جلية وموافقته لها في أصول الدين الكلية، وهيمنته عليها، ولذا قال- عليه الصلاة والسلام-: «لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعى» «١» .

وفي إخبار بنى إسرائيل بأن القرآن الكريم مصدق لما معهم، إثارة لهممهم لو كانوا يعقلون- للإقبال عليه، متدبرين آياته، حتى تستيقن نفوسهم أنه دعوة الحق والإصلاح المؤدية إلى السعادة في الدنيا والآخرة وحتى تطمئن قلوبهم إلى أن الإيمان به معناه الإيمان بما معهم، والكفر به، كفر بما بين أيديهم، حيث إن ما بين أيديهم قد بشر ببعثة محمد صلّى الله عليه وسلم المنزل عليه القرآن الكريم.

قال الإمام الرازي: (وهذه الجملة الكريمة تدل على صدق النبي صلّى الله عليه وسلم من وجهين:

أولهما: أن الكتب السابقة قد بشرت به، وشهاداتها لا تكون إلا حقا.

وثانيهما: أنه- عليه الصلاة والسلام- قد أخبرهم عما في كتبهم بدون معرفة سابقة لها، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق الوحى «٢» .

وبعد أن أمرهم- سبحانه- بالإيمان الخالص، عرض بهم لتكذيبهم وجحودهم، فقال- تعالى-: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ أى: لا تكونوا أول فريق من أهل الكتاب يكفر بالقرآن الكريم، فيقتدى بكم أناس آخرون وبهذا تصيرون أئمة للكفر مع أن من الواجب


(١) رواه الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١ ص ٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>