للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليكم أن تسارعوا إلى الإيمان به لأنكم أدرى الناس بأنه من عند الله، وأكثرهم علما بأنه الرسول الذي نزل عليه هذا القرآن، وهو الصادق الأمين فيما يبلغه عن ربه.

والمقصود من هذه الجملة الكريمة، تبكيتهم على مسارعتهم في الكفر، واستعظام وقوع الجحود منهم، وتوعدهم عليه بسوء المآل.

قال الإمام الرازي: (هذه الجملة خطاب لبنى إسرائيل قبل غيرهم فكأنه- سبحانه- يقول لهم: لا تكفروا بمحمد، فإنه سيكون بعدكم كفرة، فلا تكونوا أنتم أولهم لأن هذه الأولية موجبة لمزيد الإثم، وذلك لأنهم إذا سبقوا إلى الكفر، فإما أن يقتدى بهم غيرهم أولا، فإن اقتدى بهم غيرهم كان عليهم وزره ووزر كل كافر إلى يوم القيامة، وإن لم يقتد بهم غيرهم، اجتمع عليهم أمران: السبق إلى الكفر والتفرد به وكلاهما منقصة عظيمة، وتؤدى إلى العاقبة الوبيلة) «١» .

ثم نهاهم عن أن يبيعوا دينهم بدنياهم، فقال- تعالى-: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا.

والاشتراء هنا استعارة للاستبدال، والذي استبدل به الثمن القليل هو الإيمان بالآيات، والمراد بالآيات: البراهين المؤيدة لصدق النبي صلّى الله عليه وسلم وفي مقدمتها القرآن الكريم والتوراة.

والمراد بالثمن القليل: حظوظ الدنيا وشهواتها من نحو الرياسة والمال والجاه، وما إلى ذلك من الأمور التي خافوا ضياعها لو اتبعوا الرسول صلّى الله عليه وسلم.

والمعنى: لا تستبدلوا بالإيمان بما أنزلت مصدقا لما معكم شيئا من حطام الدنيا، ولا تختاروا على ثواب الله بديلا من الأموال، فإنها مهما كثرت فهي قليلة مسترذلة بالنسبة لما يناله أولو الإيمان الخالص من رعاية ضافية في الدنيا، وخيرات حسان في الأخرى.

وليس وصف الثمن بالقلة من الأوصاف المخصصة للنكرات، بل هو من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل بالآيات إذ لا يكون إلا قليلا وإن بلغ ما بلغ من أعراض الدنيا بجانب رضا الله- عز وجل-.

ونزل تمكينهم من الإيمان بالآيات لوضوحها منزلة حصوله بالفعل، فكأن الإيمان كان في حوزتهم، ولكنهم خلعوه ونبذوه، مستبدلين الذي هو أدنى بالذي هو خير فباءوا بغضب على غضب لكفرهم بالقرآن الكريم وبتوراتهم التي بشرت بالرسول- عليه الصلاة والسلام-.

ثم حذرهم- سبحانه- من التمادي في الكفر بما أنزل، مصدقا لما معهم، فقال- تعالى- «وإياى فاتقون» الاتقاء معناه الحذر، يقال: فلان اتقى الله أى حذر عقابه وبطشه، والحذر من


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١ ص ٤٣٢ بتصرف وتلخيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>