للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقاب الله، يستلزم امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فمعنى «وإياى فاتقون» آمنوا بي، واتبعوا الحق وأعرضوا عن الباطل.

وبعد أن نهى القرآن الكريم بنى إسرائيل عن الكفر والضلال، عقب ذلك بنهيهم عن أن يعملوا لإضلال غيرهم، فقال- تعالى-: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ، وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

اللبس- بفتح اللام- الخلط، وفعله: لبس، من باب: ضرب تقول: لبست عليه الأمر، ألبسه إذا مزجت بينه بمشكله، وحقه بباطله.

ولدعاة الضلالة طريقتان في إغواء الناس:

إحداهما: طريقة خلط الحق بالباطل حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر وهي المشار إليها بقوله تعالى: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ.

والثانية: طريقة جحد الحق وإخفائه حتى لا يظهر، وهي المشار إليها بقوله تعالى:

وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ.

وقد استعمل بنو إسرائيل الطريقتين لصرف الناس عن الإسلام، فقد كان بعضهم يؤول نصوص كتبهم الدالة على صدق النبي صلّى الله عليه وسلم تأويلا فاسدا، يخلطون فيه الحق بالباطل، ليوهموا العامة أنه ليس هو النبي المنتظر، وكان بعضهم يلقى حول الحق الظاهر شبها، ليوقع ضعفاء الإيمان في حيرة وتردد، وكان بعضهم يخفى أو يحذف النصوص الدالة على صدق النبي صلّى الله عليه وسلم، والتي لا توافق أهواءهم وشهواتهم، فنهاهم الله- تعالى- عن هذه التصرفات الخبيثة.

والمعنى: ولا تخلطوا الحق الواضح الذي نطقت به الكتب السماوية، وأيدته العقول السليمة، بالباطل الذي تخترعونه من عند أنفسكم، إرضاء لأهوائكم، ولا تكتموا الحق الذي تعرفونه، كما تعرفون أبناءكم، بغية انصراف الناس عنه «لأن من جهل شيئا عاداه، فالنهي الأول عن التغيير والخلط، والنهى الثاني عن الكتمان والإخفاء.

وقوله تعالى: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ جملة حالية، أى وأنتم من ذوى العلم، ولا يناسب من كان كذلك أن يكتم الحق، أو يلبسه بالباطل، وإذا كان هذا الفعل- وهو لبس الحق بالباطل، أو كتمانه وإظهار الباطل وحده- يعد من كبائر الذنوب، فإن وقعه يكون أقبح، وفساده أكبر، وعاقبته أشأم متى صدر من عالم فاهم، يميز بين الحق والباطل.

ففي هذه الجملة الكريمة بيان لحال بنى إسرائيل، المخاطبين بهذا النهى، وتبكيت لهم، لأنهم لم يفعلوا ما فعلوه عن جهالة، وإنما عن علم وإصرار على سلوك هذا الطريق المعوج.

<<  <  ج: ص:  >  >>